حسان زهار يحذر من مناورات التيار التغريبي

لا تصدقوهم.. إنهم يخدعونكم

بقلم حسان زهار

هناك تيار سياسي عندنا في الجزائر، مجبول على الخديعة والمكر، والمشكلة أن رموزه ورؤوسه وحتى أذنابه، يظهرون في الشارع، قادة للحراك، كما لو أنهم ملائكة الرحمة، بينما حقيقتهم أنهم  أقرب الى ما يفعله إبليس، من غواية وتدليس.

إنهم بين الجموع، يرفعون نفس الشعارات التي تدغدغ عواطف العامة، لكنهم يزيدون عليها شعارات يكتبونها في الليل، في مقرات سرية مظلمة، ضد الدولة ومؤسسات الدولة، وتوجه الجموع إلى مصارع الهلاك..

تماما كما تفعل الحية الرقطاء، تغير جلدها حتى يستأمنها من حولها، وإذا ما تمكنت ظهرت أنها من صنف “لحنوشة”، تنفث سما زعافا.

الذين أعلنوا استعدادهم المشاركة في انتخابات “العهدة الخامسة”، ومنهم من قام بحملات انتخابية مسبقة، وزار المدن والمداشر مبشرا بعهد جديد على يديه، هم اليوم في مقدمة الرافضين للانتخابات.

والذين كانوا طوال حياتهم، وهم يشاركون في انتخابات التزوير والكوطة، ويرضون بالفتات من الكراسي الممنوحة لهم، هم للغرابة اليوم، أشد المعارضين لانتخابات هي بكل المعايير الأكثر شفافية منذ الاستقلال، اذا ما استثنينا انتخابات 90 و91 التي حماها الشعب، وقد توفرت اليوم ضمانات غير مسبوقة، مثل السلطة العليا للانتخابات التي كانت حلما فيما مضى.

بمعنى أن الذين يرفضون انتخابات اليوم بضمانتها القوية، والذين كانوا يقبلون بانتخابات الأمس بلا ضمانات أصلا، يعلمون أن مصالحهم التي كانت بالأمس تتحقق بالتزوير، قد انتهت الآن، وقد تراجع التزوير إلى حدود كبيرة.

ما يعني أن هؤلاء هم أعداء الشعب التقليديين، وأعداء اختياراته الحرة..

ولو عدنا للتاريخ القريب، سنجد أن هذا التيار المتلون حسب الظروف والمصالح، هو بقضه وقضيضه، برؤوسه وشخوصه وأحزابه ونقاباته، من وقف بالأمس ضد نتائج الصندوق في التسعينات، وضد الديمقراطية، وكان عنوانا لفرض حالة الطوارئ، وإطلاق الرصاص على المعتصمين، واعتقال الآلاف من دون محاكمات أو أوامر قضائية، والزج بهم في محتشدات الصحراء.

هؤلاء الذين طبلوا لـ”دولة العسكر” بالأمس، هم من خيطوا اليوم شعار “مدنية ماشي عسكرية”، بعد أن حولت الدبابة موقعها، من الوقوف في وجه الشعب، إلى الوقوف إلى جانبه ومرافقة مطالبه.

إنهم ديمقراطيون.. لكنهم يكرهون الانتخابات كرها شديدا.. حتى أنهم أعلنوها صراحة، أن ديمقراطية الصندوق لا تخدم مصالح الأقلية، وقدموا بديلهم (الديمقرانية)، التي تعني انتخبات الشارع، عبر رفع البطاقات الحمراء والخضراء.

لقد تعودوا على تعيين الرؤساء بأنفسهم، ممن يرضون عنهم، بغرض تحويلهم الى رؤساء للواجهة، رؤساء عرائس القراقوز يقضون منهم حاجتهم، ولما تنتهي مهمتهم إما يقتلونهم (بوضياف) أو يطردونهم (زروال) أو يجعلون منهم صنما يمرر لهم قوانينهم بالمراسيم الرئاسية دون المرور على الاستفتاء (بوتفيلقة).

لكن الخديعة يبدو أنها أكبر من أن تستوعبها عقول تعودت على السير بلا هدف، وعلى ترديد شعارات بلا مضمون.

فالاستراتيجية الجديدة، لهذه الحية الرقطاء المتلونة، أنها تدعي في العلن، رفض الانتخابات، والعمل على منعها مهما كان الثمن، بهدف تثبيط الأغلبية عن الذهاب إلى الصندوق، في الوقت الذي تشتغل فيه سرا، لتحضير مرشحيها ليكونوا في أحسن رواق.

وقد رأيناهم، عارضوا لجنة الحوار والوساطة، وكانوا يتواصلون معها سرا، بل أنهم عينوا أغلبية أعضائها، وعارضوا سلطة الانتخابات، ثم ركبوها أيضا، وتمكنوا من مفاصلها، وها هم الآن يشرعون في إخراج مرشحين “مموهين” للرئاسيات، توجهوا لسحب استمارات الترشح.

الخديعة اذن واضحة.. إلا لمن عمي بصره وبصيرته.

رجْل في الشارع، يزايدون بها على الذين استغفلوهم وصدقوا مزاعمهم، ورجل في الصندوق، وهم يعلمون، أنهم يمتلكون حظا واحدا لا أكثر، إذا استطاعوا أن يستثمروا في تشتت الأغلبية، وأن يتجمعوا هم في كتلة واحدة خلف مرشح واحد، لتدعمه ترسانة المال والإعلام التي يديرونها.

إذا مرت هذه الخديعة، فستكون الكارثة التي ستنسينا كارثة التسعينات.

المصدر : الشروق