القايد صالح.. آخر الشهداء

  • بقلم حسان زهار

رحم الله أسد الجزائر الفريق أحمد قايد صالح.. فلولا هذا المجاهد الصلب، لكانت الجزائر اليوم في وضع آخر تماما.

سيكتب التاريخ، كما يشهد الشعب وكل الشرفاء في العالم اليوم، أن الفريق أحمد قايد صالح، كان طفرة في تاريخ العسكرية العربية، يمتلك الدبابة والطائرة وكل أنواع الأسلحة، لكن برنامجه الكبير، وهدفه الأسمى، بعد حماية الوطن والحفاظ على وحدته وسلامة ترابه، هو أن لا تسقط قطرة دم واحدة.

سبحان الله.. كان ذلك هو برنامجه وهدفه.. وقد حققه بفضل من الله ومنته.

ظل الفقيد الكبير، واقفا صامدا طوال شهور الأزمة، قائدا للسفينة يواجه بحنكة كل الأمواج العاتية، وعندما طالت شهور الأزمة، أطال الله في عمره، حتى يستكمل مهمته كاملة، فرافق الحراك وكان ضمانته الكبرى في استمرار السلمية، وأنجز الانتخابات بمرافقة الجيش وتأمينه، وحضر حفل مراسيم تولية الرئيس المنتخب، وتقلد من الرئيس وسام التكريم، وقبلات الاعتراف بالجميل، التي طبعها الشعب كله على رأسه قبل وجهه، قبل أن يلبي نداء الحق.

سبحان الله.. أبقاه الله حارسا على دماء الجزائريين، حتى يسلم المشعل لمن يستحقه، ثم يسلم بعدها روحه ويستريح عند أرحم الراحمين.
إن لم يكن ذلك معجزة في مثل هذا الزمان، فما هي المعجزة يا ترى؟

إن ما حصل يقترب حقا من كونه معجزة إلهية، ورحمة الله بهذا الشعب كانت تتجلى بوضوح في إبقاء هذا المجاهد المخلص على رأس الجيش حتى يستكمل مهمته العظيمة، لذلك كان الفقيد الكبير يصر في خطاباته، على ضرورة استكمال المهمة قبل نهاية السنة، وكأن صوت الحق كان يستعجله، فنطق على لسانه بالحق، وكذلك كانت كل خطاباته.

سبحان الله.. حتى الذين كانوا يشتمونه في المسيرات، والذين نالوا منه بكل أشكال الكلام القبيح، والذين خونوه، اليوم يطأطئون رؤوسهم احتراما وخجلا (ما عدا الشرذمة وأزلام العصابة طبعا)، فكلما علت أصواتهم الوقحة، ازداد هو حلما معهم، وكلما خونوه، ابتسم لهم ودعا الله في قرارة نفسه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

سبحان الله.. أما الملايين الذين أحبته، وأحبت فيه الصدق والوفاء، فإنها هي اليوم من تدعو له بالرحمة، وتسأل الله ضارعة، في كل صلواتها، أن يجازيه جنة الفردوس، بما حقن من دماء، وحافظ على وحدة الشعب والأمة، وأن يجعله إلى جوار خير عباده، من الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ومع ذلك نقول..

أن من يظنون أن القايد صالح هو الجيش، وأن ذهابه يعني أن الطريق قد فتح لهم، لتحقيق أهدافهم وعودة عصابتهم، فإنهم واهمون، لقد كان الفريق قايد صالح “بالمرصاد” دائما كما ظل يردد، وها هو اليوم يخلف شعبا كاملا وراءه “بالمرصاد” لكل الطامعين والعابثين.

إذا مات الرجل، وكل الخلق ميتون، فقد ترك خلفه الآلاف، بل الملايين من الرجال، الذين يحملون نفس الأمانة، ويصونون بدمائهم نفس الوديعة، ذلك أن الرجال ظلوا دائما يخططون ويعملون من أجل دولة لا تزول بزوال الرجال.

هذه هي الدنيا.. ولكل أجل كتاب..

من كان يحب القايد صالح فإن عمي القايد قد مات.

ومن كان يحب الجزائر، الجزائر التي ضحى من أجلها القايد صالح، وقبله بومدين وعميروش وديدوش مراد والعربي بن مهيدي وملايين الشهداء، فإن الجزائر باقية ولن تموت.

لم يحزن العالم على جنرال أبدا، مثل حزن الجزائريين والعرب على الجنرال أحمد قايد صالح.
ذلك أن القايد كان قطعة من الشهداء.. تأخرت الى يومنا هذا.. لتستكمل ما ضحى من أجله السابقون من الشهداء، فكان بحق آخر الشهداء.

المصدر: الشروق