مخابر لصناعة الكراهية!

بقلم رشيد ولد بوسيافة

Image associée

بيان رئاسة الجمهورية بتكليف الوزير الأول لصياغة قانون للتصدي لخطاب الكراهية والعنصرية والجهوية يعدّ تطورا إيجابيا من زاوية تحمُّلِ السلطات لمسؤوليتها في التصدي للانحراف الكبير الذي يهدد تماسك الشعب الجزائري، ويدفع نحو فتنٍ عرقية ولغوية وحتى دينية، لكن هذا التحرك من طرف السلطة يفتقر إلى تشخيص سليم للأسباب التي أدت إلى هذا الانفلات.

وعلى الرغم من أنّ الجزائر من البلدان القليلة التي حباها الله بمقومات وحدةٍ وتماسك؛ إذ لا توجد طوائف ولا نِحل ومِلل متناقضة، وعلى الرغم من التّاريخ القريب الذي صنعه الجزائريون عبر ملحمة التحرير المباركة، إلا أن بعض المرضى إيديولوجياً يجتهدون في إحداث ثغرات في هذا الجسم الواحد، مستخدِمين نعمة التنوُّع والثراء الثقافي والحضاري ومحاولة الدفع نحو اصطفاف إما ديني أو عرقي أو لغوي.

والمثير في الأمر أن هذا التصعيد بدأ مباشرة بعد الصّور الخالدة التي قدَّمها الحَراك الشعبي عندما خرجت الملايين بصوت واحد وبطريقة حضارية وسلمية، لكن المخابر اشتغلت في الظلام وأنتجت مصطلحات جديدة مثل “زوافي” و”مبردع” و”لحاس الرونجاس” استخدمها ضعافُ النفوس للنيل من خصومهم السياسيين.

محورٌ آخر اشتغل عليه البعض هو استثمار الخلافات والتصفيات التي حدثت بين قيادات الثورة لتعميق الهوة بين الجزائريين، وأصبح كل من اطلع على مذكرات أو قرأ صفحاتٍ مجهولة على الفيسبوك، يتطاول على رجال كان لهم أدوارٌ كبيرة أثناء الثورة أو قبلها، لا لشيء إلا لأن هذا القائد أو ذاك ليس من “دشرته”، فتـجد من يطعن في قادة ورموز كبار أمثال محمد بوضياف وعبان رمضان، ولم يرحموا في ذلك رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس، واستمر العبث بموضوع الهوية باستدعاء أحداث التاريخ الحديث والمعاصر وحتى التاريخ القديم، ووصل الأمر إلى درجة متقدمة من التفاهة والابتذال، أصبح الحديث فيها عن إنسان ما قبل آدم عليه السلام؟!

لذلك، فإن أول عمل يتعين على السلطات العليا القيام به، في سياق وضع حدٍّ لخطاب الكراهية والعنصرية والجهوية، هو تجفيف منابعه عبر التّضييق على المخابر التي تصنعه، وملاحقة رموز هذا الخطاب في مواقع التواصل الاجتماعي، وهم لا يمثلون توجُّها سياسيا واحدا، وإنما خليطا من المعتوهين الذين يتبنُّون خطاب كراهية سواء ضد منطقة بذاتها في الجزائر أو ضد أركان الهوية من لغة ودين، وما أكثر الذين يطعنون يوميا في الدين ويزدرون شعائره

المصدر: الشروق