حبيب راشدين يفضح لعبة الأقليات التي تحاول تعطيل الإنتخابات


  • ساعة الحسم مع “الثلة المعطلة”
  • بقلم حبيب راشدين

بعد الكلمة الأخيرة، لقائد الأركان من ورقلة، لم يعد بوسع الطبقة السياسية، وبعض النخب التي نصّبت نفسها وصية بلا شريك على الحراك، التسويف بشأن توضيح الموقف من المسار الوحيد الذي اختارت مؤسسة الجيش أن ترافقه، بالإسراع بملء الفراغ في أهم مؤسسة في البلد، إما بالمشاركة والدخول في تنافس شريف، أو معارضتها بالطرق الديموقراطية المشروعة التي يسمح بها الدستور، وليس عبر مسارات التخريب، وتهديد السلم والاستقرار، برفع شعارات عدمية مثل شعار العصيان المدني

دعونا كمواطنين متمسكين بدرجات متفاوتة بخيار الخروج الآمن من الأزمة التي دخلت فيها البلاد منذ تعطيل العهدة الخامسة والتمديد، دعونا نتفحص بموضوعية الخيارات المتاحة لكل من يطمح مستقبلا في لعب دور في إدارة الشأن العام، على أي مستوى كان من المسؤولية، بعد أن حسم بلا رجعة قرار مواصلة إدارة الدولة ومؤسساتها بأدوات الدستور القائم، إلا أن تعرض صيغة بديلة على المالك الأصلي للسلطة التأسيسية تمر حتما وفي كل الأحوال عبر الصندوق.

أي ملاحظ عاقل متابع للوضع السياسي في الجزائر منذ تفعيل المادة 102 وترحيل الرئيس السابق، يعلم أن فرص التمكين لحلول خارج الدستور باتت مستبعدة إلا إذا ـ لا قدر الله ـ نجحت تلك الفئة القليلة المختطِفة للحَراك الشعبي في إخراجه عن طابعه السلمي، وانتقلت به إلى الصدام وإلى الخيارات العدمية التي رفعت أبرز شعاراتها في الجمع الأخيرة، وكانت بالضرورة عنوانا كاشفا لانهيار مشروع ما وصف بـ”الانتقال الديموقراطي” خارج الدستور وخارج المسار التقليدي للفوز بوكالة الناخب عبر الصندوق.

ومن الواضح، أن “الأقلية” التي تقاتل اليوم بشراسة لتعطيل العودة إلى الصندوق قد اختُزلت في ثلاثة أو أربعة أحزاب من نفس العائلة العقائدية “العلمانية اليسارية” التي فشلت عبر المسارات الانتخابية منذ بداية التعدُّدية في بناء قاعدة شعبية محترَمة، ووعاء انتخابي واسع، سوى ما تحقق لها في ولايتين فقط من بين ولايات البلاد الـ48، وقد سبق لبعض رموزها الإقرار بـ”الخطإ في الشعب” وقد يطول انتظارُها إلى يوم القيامة لميلاد شعب يقبل منحها فرصة اختبار برامجها المستنسَخة المعادية لمكوِّنات هويته.

ومن المؤكد أيضا، أن هذا الجزء من الطبقة السياسية قد فقد الثقة في قدرته على توظيف الحَراك لتمرير مسار انتقالي خارج الدستور “يسرق” السلطة التأسيسية للمواطن ويتحايل عليها بعيدا عن اختبار الصندوق، كما يشعر بأن حملة التطهير التي تولاها القضاء بوتيرة عالية قد أضعفت صفوفه، وجففت روافده الأمنية والسياسية والمالية، وفككت جزءا من الدولة العميقة التي كان يعوِّل عليها في اقتطاع حصص من مواقع السلطة والإدارات الكبرى، والفوز بحصص من مواقع التمثيل عبر مسارات يعترف بأنها مساراتٌ انتخابية مزوَّرة تعمل بالمحاصصة.

ثم إن هذا الفريق قد فقد ما كان له في تسعينيات القرن الماضي من دعم سخي من وراء البحر لخيار تعطيل المسار الانتخابي، وفرض خيار الأقلية على الأغلبية بالمغالبة البهيمية، وسلطة الدبابة التي نراها اليوم تضع سلطانها في هدمه ونصرة الخيار الدستوري، وترفض أن ترافق أي مسار مُغامِر مقامِر، يبدأ بإسقاط الدستور وقد ينتهي بإسقاط الدولة.

لستُ متأكدا من أن هذا الفريق المهزوم منذ النشأة، العالق اليوم في تناقضاته الفاضحة، قادرٌ على سماع صوت الحكمة وتجنيب البلد الفوضى، أو تقدير عواقب ما ورد من تحذير صريح في كلمة رئيس الأركان، كما هو أعجز ما يكون عن تعطيل المسار الانتخابي في ما بقي من السنة بما يرفعه من شعارات عدمية لن تسايره فيها أغلبية الشعب، لأن الشعب لا يرضى أن يكون عدوَّ نفسه.

المصدر : الشروق