مسؤولية الجزائر ومصر لمنع تدويل الأزمة الليبية
بقلم حبيب راشدين
عودة الجزائر إلى أداء دورها السياسي والدبلوماسي كقوة إقليمية من بوابة الأزمة الليبية، جاء في الوقت المناسب بعد نجاحها في تجاوز أزمتها الداخلية، وإعادة تنشيط موقع الرئاسة وإعماره برئيس منتخَب، عودةٌ استقبِلت بترحيب متنام من بعض جيرانها وأصدقائها التقليديين، وبتحفُّظ وعداء معلن من قبل الأطراف الإقليمية العربية والدولية التي اشتغلت بشكل عدائي سافر على تطويق الجزائر بحزام من البؤر القابلة للتفجير كانت تنتظر ساعة الصفر على ضوء مخرجات أزمتها الداخلية.
ليس من قبيل الصدفة أن تحرِّك القوى الدولية وبعضُ وكلائها في الإقليم المياهَ الراكدة في ليبيا منذ اتفاق الصخيرات، بتشجيع خليفة حفتر على إشعال فتيل الحرب، ومحاولة نقل المعركة بسرعة فائقة إلى طرابلس مباشرة بعد تفعيل الجيش للمادة 102 واستقالة الرئيس، كان بعضُهم يراهن عليها لإلهاء مؤسسة الجيش، وصرفِها عن أولوية ترتيب البيت الداخلي، وربما استدراجها إلى تورُّطٍ غير مدروس في المستنقع الليبي.
وإذا كانت فرنسا، المتهمة بقيادة المحور المصري الإماراتي الداعم لحفتر، قد أصيبت بهلع بعد دخول الجزائر على الخط منذ خطاب الرئيس في جلسة أداء اليمين الدستوري، فإنَّ عودة الجزائر السريعة قد شجعت أطرافا أخرى على إعادة ترتيب أوراقها في ضوء الموقف الجزائري المعلن والصريح، الرافض للتدخُّل الأجنبي، الداعم لتسويةٍ سياسية بين الليبيين، تحتاج بالضرورة إلى تحييد التدخل الأجنبي، واحترام سيادة ليبيا والشرعية القائمة فيها.
لقد كان من اللافت التغييرُ المفاجئ في مواقف كل من روسيا وتركيا وألمانيا، وأخيرا تغيير الموقف الإيطالي وربما لاحقا الموقف المصري، تغييرٌ بدأ مع توجيه ألمانيا دعوة رسمية إلى الجزائر للمشاركة في مؤتمر برلين القادم، الذي ناورت فيه فرنسا وحلفاؤها بقوة لاستبعاد الجزائر وتونس، تبعها تغييرٌ سريع في الموقف التركي الذي انتقل بسرعة البرق من خيار التدخُّل العسكري المغامِر، إلى الدعوة مع روسيا إلى وقف إطلاق النار، والدخول في مسار التسوية السياسية، وأخيرا عودة روسيا إلى سياستها التقليدية في الإقليم، وتنصُّلها السريع من تبعات خيار دعم حفتر من البوابة الخلفية، ربما كان قد اضطرها إليه تقييد الأزمة في الجزائر لحركة بلد إقليمي صديق.
استقبال الجزائر مطلع هذه السنة للسراج، ثم لوزراء خارجية تركيا وإيطاليا ومصر، واحتمال استضافة حفتر، والسعي إلى إعادة تنشيط مبادرة دول الجوار الثلاث، تكون قد ساعدت الروس والأتراك على المراهنة مجددا على التسوية السياسية، يفترض أن يسبقها إعادة صياغة جدول أعمال مؤتمر برلين القادم، وحمل الأطراف المشاركة على دعم المسار السياسي بوقف جميع أشكال التدخُّل الأجنبي من الجهتين، والعودة إلى مسار اتفاق الصخيرات، مع واجب استبدال الوسيط الأممي الذي صار جزءاً من المشكلة.
وإذا كانت القوى الدولية المتورِّطة في مسارات تأجيج واستدامة الأزمة الليبية إنما تقاول لمصالح اقتصادية وجيوسياسية صرفة، يفترض أن تبحث مستقبلا مع حكومةٍ ليبية كاملة الشرعية، وبعد استعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد المنكوب، فإن الأطراف الوحيدة المعنية اليوم بتدبير التسوية السياسية هي الأطراف الليبية المتنازعة، بتوفير دعم وشراكة منزهة من الأطماع من دول الجوار الثلاث المهدَّدة في أمنها الوطني، وفي حيثيات استقرار الإقليم، بوسعها أن تستعين بأدوات منظماتٍ إقليمية ثلاث: الاتحاد المغاربي، الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، بوصفها منظمات معنية أكثر من الأمم المتحدة المرتهنة في الغالب في قراراتها لإرادة الدول العظمى دائمة العضوية.
تفعيل دور دول الجوار يحتاج بالضرورة إلى بناء موقف مشترك جزائري – مصري، يحتكم في المقام الأول لما يقتضيه الجوار من واجب دعم الشعب الليبي الشقيق، والحفاظ على وحدة تراب الدولة الليبية، وعلى حق الشعب الليبي الحصري في ابتكار الحلول السياسية بعيدا عن أيِّ تدخل أجنبي، كما يحتكم إلى واجب استشراف مخاطر تدويل الأزمة الليبية على أمنهما الوطني، حتى لو اقتضى الأمر البحث مع الأطراف الليبية فرصة الاستعانة بخبرة جيرانها العرب السياسية والأمنية لمرافقة الشعب الليبي في مراحل إعادة بناء الدولة الليبية، وضمان قدر من الحماية العسكرية والأمنية تردع أي تدخل أجنبي من خارج الإقليم
المصدر: الشروق