هل ألغيت صلاة الجمعة فى التاريخ من قبل؟

نظرًا لحالة العلع والفزع التى أحدثها فيروس كورونا المتنشر فى العالم أجمع، هناك قرارات تتخذها الدول كإجراءات احترازية لمنع انتشار الفيروس، ومنها قرار رئيس مجلس الوزراء بتعليق الفعاليات التى تحدث تجمعات، وبناء عليه قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، خلال اجتماع لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، برئاسة الدكتور أسامة العبد، بشأن جواز إلغاء أو منع التجمعات ومنها صلاة الجمعة لمدة مؤقتة فى حالة تسببها فى خطر وهلاك للأرواح، والسؤال هنا هل  تم إلغاء صلاة الجمعة من قبل عبر التاريخ؟، وهذا ما نحاول الإجابة عليه خلال التقرير التالى.

في البداية تواصلنا مع الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ الإسلامي، والذى قال : إنه لا يوجد واقعة محددة ذكرت منع صلاة الجمعة عبر التاريخ، ولكن هناك أمور يجب القياس عليها لمعرفة جواز منعها من عدمه أو انها تكررت من قبل، فعندنا على سبيل المثال طاعون “الموت الأسود” وهو حدث فى عصر المماليك، راح ضحيتها آلاف الأشخاص ومن المؤكد أن يكون تم إلغاء صلاة الجمعة بسبب عدم التجمعات التي قد تحدث نشر الوباء أكثر.

حكاية الموت الأسود، بدأ فى أواسط آسيا ثم انتقل إلى شبه جزيرة القرم ومنها إلى جنوة عن طريق البواخر ثم انتشر فى أنحاء أوروبا وقيل إنه لما وصل إنجلترا حصد أرواح نصف مواطنيها، ويذكر المقريزى انه فى يوم واحد خرجت من الإسكندرية سبعمائة جنازه “700 متوفى ” وأغلقت الاسواق والاشغال وعم الوباء دمنهور و كل البحيرة و منطقة البرلس حيث تعطل الصيد فى بحيراتها بسبب موت الصيادين ومات الفلاحين وانضرت الزراعة وماتت المواشى و أغلقت الاسواق فى دمياط ثم أنتقل الوباء الى القاهره وبلغ عدد الموتى فى اليوم الواحد ثلثمائة شخص “300 متوفى فى اليوم الواحد” و بعدها زاد انتشار الموت الأسود فى القاهرة أرتفع عدد الموتى الى ألف متوفى 1000 فى اليوم الواحد ثم زاد الوباء فأصبح من الصعوبة حصر أعداد الموتى فى اليوم الواحد .

وتابع الدكتور أيمن فؤاد، كما توجد واقعة الشدة المستنصرية، التي راح ضحيتها آلاف الناس، والشدة المستنصرية مجاعة حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف نهاية عصر الخليفة الفاطمى المستنصر بالله فى مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر 1036 – 1094، لافتا إلى أنه أيضا قد يكون الناس في ذلك الوقت لا يتجمعون.

ومن جانبه، قال الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الديار المصرية الأسبق: “أتفق تماما مع ما ذكره وزير الأوقاف وفضيلة المفتى، حول التجمعات ومدى الوقوف عندها من حيث القلة والكثرة أو إنهائها، لأن عندما تكون المصلحة، وجميع العبادات ابتداء من الصلاة والصوم والزكاة والحج، كلها شرعت من أجل حماية وحفظ الإنسان، فكل ما يؤثر أو يتعارض أو يكو ن فيه ضرر على الإنسان فمشروعية منعه هو الأساس فى الشريعة الإسلامية، وما جاءت المقاصد الكلية الشرعية غلا لحفظ الإنسان، وكل ما جاء فى الشريعة الإسلامية من تشريعات وجمعت تحت المقاصد الكلية الخمس وهى حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والعرض، كل هذه شرعت من أجل الحفاظ على النفس والإنسان، فمسألة التجمعات ومسألة تحديدها أو كما يقال منع فى وقت من الأوقاف تجمع الناس حتى لو للصلاة، هذا أمر إذا كان فيه ضرر وخطر على الإنسان نحن معه لحفظ النفس، فعندما يكون أى خطر يهدد حياة الإنسان الذى خلقه الله لعبادته بمعنى عمارة الأرض”.

وقال الدكتور عجيل النشمى العميد السابق لكلية الشريعة، في تصريحات صحفية لجريدة الأنباء الكويتية، عندما انتشر مرض طاعون عمواس فى بلاد الشام بعد فتح المقدس أيام خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد أمر الخليفة بعدم خروج الناس من الشام وعدم الدخول إليها، وبالتالى من كان مريضا فهو فى الأصل يعتزل الناس، والأصحاء تكون عليهم الجمعة والجماعات والفتوى تأتى من درء المفاسد المقدم على جلب المصالح كقاعدة أولى، وكذلك الحكم على شيء فرع تصورى فينظر إلى ما يقع وليس قبل أن يقع، وإذا وقع سيجتمع العلماء ينظرون مدى خطورة المرض ومدى انتشاره وما يجب.

كما أصدر مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي يوم الثلاثاء الماضلا فتوى رقم ( 11 ) لسنة 2020 م بخصوص ما يتعلق بأحكام أداء العبادات الجماعية مع انتشار ( فيروس كوفيد – 19 (كورونا)، وكان القياس في ذلك ثبت أنَّ الشرع الحنيف أمر مَن به رائحة مؤذية باعتزال المسجد وخروجه منه بل إخراجه دفعًا للأذى عن الناس؛ ففي صحيح مسلم: أَنَّ ُ عمَرَ بْنَ الْخطَّابِ رضي الله عنه َ خطَبَ يَوْمَ الْجمُعَةِ فكان مما قال : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكلُونَ شَجرَتَيْنِ لَا أَرَاهمَا إِلَّا َ خبِيثَتَيْنِ : َ هذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ الله َ صلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّمَ إِذَا وَ َ جدَ رِيحَهُمَا ِ منْ الرَّجلِ ِ في الْمَسْجِدِ أَمرَ ِ بهِ فَأُخرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا).

فإذا كان هذا الإخراج لمجرد الأذية بالرائحة الكريهة؛ فكيف بأذية العدوى التي قد تودي بحياة الناس؛ وفي ذلك قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في “التمهيد”422/6”  : “وإذا كانت العلة في إخراجه  من المسجد أنه يُتأذى به ، ففي القياس : أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون … ذا ريحة قبيحة لسوء صناعته ، أو عاهة مؤذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم ، ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول ، فإذا زالت … كان له مراجعة المسجد”.

المصدر : اليوم السابع