رحيل خبير تكنولوجيا النفط الأستاذ غازي عثمانين

بقلم أبو بكر خالد سعد الله

رحل عنّا بغتة الدكتور المهندس غازي عثمانين يوم الخميس 08 سبتمبر 2022، المولود بالمدية يوم 26 نوفمبر1939. وقد تحصل المرحوم على شهادة مهندس من المعهد الجزائري للبترول، وكذا على شهادة مهندس دولة عام 1967 والدكتوراه من جامعة موسكو عام 1979 في تكنولوجيا النفط. وكان موضوع أطروحته “دراسة المواد الخام لإنتاج أسود الكربون من المنتجات البترولية الجزائرية”.

كتاب “أساسيات تكنولوجيا النفط”

ومن مؤلفاته المتميّزة كتاب “أساسيات تكنولوجيا النفط” الذي يقع في 512 صفحة من القطع الكبيرة (21×29 سم). صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب الضخم عام 2016 لدى دار الخلدونية (القبة، الجزائر)، ومن المنتظر أن تصدر طبعته الثانية خلال هذه السنة.

وقد فاز الأستاذ غازي بجدارة عام 2012، إثر إنجازه هذا العمل الكبير، الجائزة الأولى التي أسسها المجلس الأعلى للغة العربية، وذلك بتزكية من السيد وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي آنذاك، حيث كتب بتاريخ 3 ماي 2012 بخصوص هذا الكتاب: “فهذا الكتاب ليس مجرد مادة تثقيفية عن صناعة تلعب دورا محوريا ورائدا في حياتنا اليوم، بل هو كتاب يقدم معلومات علمية للجامعات وللصناعة، سواء في الدول المستهلكة للبترول أو المنتجة له، يعرفهم بواقع أهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم، ألا وهو البترول”.

قضى الدكتور غازي سنوات طويلة في وضع الكتاب باللغة العربية التي كانت ولا تزال في أمس الحاجة إلى هذا النوع من التأليف إذ لا يلتفت إليه إلا النادر من المختصين في البلاد العربية. ونعتقد أن أكثر ما عانى منه المؤلف هو وضع اليد على المصطلح العربي العلمي المناسب. وهذا ما دفع به إلى تذييل كتابه بمعجم للمصطلحات (عربي/فرنسي/إنجليزي) يقع في 23 صفحة.

وبذلك يكون الأستاذ غازي قد قدّم خدمة علمية قيمة للغة العربية العلمية ليس عبر المصطلحات المستعملة فحسب، بل أيضا بإصدار كتاب باللغة العربية، بهذا الحجم، فهو يضم 15 فصلا، وفي هذا الاختصاص. إنه لعمل شاق قام به المرحوم غازي فجاء في حُلّة فنية ممتازة أسهم في تجسيدها عدد من الأساتذة والفنّيين أتى على شكرهم المؤلف في مقدمة الكتاب.

وتقلّب المؤلف في عدة مناصب، منها التدريس بجامعة بومرداس ومعاهدها، ومنها أيضا المسؤوليات الإدارية والبحثية. وقد أدّت سعة تجربته بوزارة الطاقة والصناعات الكيميائية والبتروكيميائية إلى أنها فرّغته عام 1991 ليلتحق بمعهد النفط العربي للتدريب الكائن في بغداد والتابع لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط. فكان في ذلك المعهد محاضرا ورئيس قسم التدريب. إلا أن ظروف حرب الخليج الأولى حالت آنذاك دون أن يواصل الأستاذ غازي مهمته في العراق بعد أن تمّ تعيينه مديرا عاما لهذا المعهد.

وعندما عاد إلى أرض الوطن ظل يدرّس في المعهد الوطني للمحروقات وكلية المحروقات والكيمياء بجامعة بومرداس. ومن المهام التي كُلف بها الاشراف على مخبر تكنولوجيا المحروقات. وبطبيعة الحال كانت هذه المهام مصحوبة بالإشراف على الرسائل الجامعية وبإصدار عديد المؤلفات البحثية والبيداغوجية. وفي هذا الخضم من العمل الأكاديمي صدر الكتاب “أساسيات تكنولوجيا النفط” المشار إليه آنفا.

بعض أرائه

ومن جهة أخرى، كتب المرحوم غازي عديد المقالات التي تعبر عن آرائه في عديد القضايا سيما في ركن الرأي بصحيفة الشروق. ففي مطلع مارس الماضي كتب مقالا بعنوان ” الحرب الروسية – الأوكرانية والأمن الغذائي في الجزائر” لاحظ فيه أنه من غير المعقول أن تظل الجزائر تعيش أزمة خانقة في المياه سواء كان للشرب أو للفلاحة. والغريب أننا نبرر ذلك بنقص في منسوب المياه في السدود بسبب التغيّرات المناخية، والتبذير عند استعمال المياه، والتسريبات التي تحدث في الأنابيب. وتساءل: ماذا ينتظر المسؤولون لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه الإشكالية بوضع خطط للطوارئ مثل إنشاء مشاريع محطات تحلية مياه البحر الممتد على سواحلنا وحفر الآبار في أرضنا الشاسعة علما أن للجزائر مخزون مياه يكفي لـ 40 قرنا.

ويواصل المرحوم ملاحظته بالتنبيه إلى أن سوناطراك تعتزم استثمار نحو 40 مليار دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة لتطوير حقول النفط الحالية. وهذا شيء جميل في نظره، لكنه يطرح السؤال: لماذا لا تخصِّص الدولة مبلغا يضاهي المبلغ الذي أعلنت عنه سونطراك لإنعاش صحرائنا، وبذلك نضمن ليس الأمن الغذائي فحسب، وإنما نضمن أيضا الاكتفاء الذاتي وتصدير الحبوب من قمح وشعير وذرة وخضراوات وغيرها… وحتى ماء الشرب والماء للفلاحة؟!ويختم غازي عثمانين كلامه عن الحرب الروسية الأكرانية بهذه العبارة : “يجب علينا أن نأخذ من هذه الحرب عبرة ودروسا لنتوكل على أنفسنا بعد الله ونعمل كثيرا ونتكلم قليلا”.

وقد نشر في مطلع جويلية الفارط مقالا بعنوان “عن إصلاح المنظومة التربوية ول م د” أبدى فيه رأيه الصريح مستخلصا أنه يجب علينا أن نعترف بأخطائنا ونصححها مضيفا أن أي إصلاح لا تتوفر فيه الشروط والظروف المادية والبشرية لنجاحه يكون مآله الفشل.

وتفاعل الأستاذ غازي مع الشأن اللغوي، وهو من الداعين إلى دعم اللغة العربية وتدريس العلوم بها إلى جانب التوجه نحو تعلم اللغة الأنكليزية. وفي هذا السياق، دعا إلى التفريق بين لغة التدريس ولغة البحث العلمي، فالتدريس يتم في كل بلاد العالم باللغة الوطنية، ولا يوجد بلدٌ مهما كان صغيرا إلا ويدرّس بلغته. وأورد مثال جزيرة آيسلندا التي لا يتجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة، وهي تدرِّس باللغة الآيسلندية. كما أن الدانمارك بلدٌ عدد سكانه يناهز 5 ملايين نسمة، وهو يدرّس بلغته الدانماركية. ويلاحظ أن هذا البلد ذائع الصيت في مجال بالفيزياء، وفيه معهد يعدّ من أهم المراكز العلمية في العالم. أما لغة البحث العلمي المتداولة حاليا فهي اللغة الإنكليزية. وأشار المرحوم في هذا الموضوع إلى مقولة مفادها أنه “عندما نقول ونعتقد أن لغتنا لا تصلح للعلم، فهذا يعني أننا أيضا لا نصلح، ولن نفهم هذا العلم”.

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.

المصدر؛ الشروق