تدريس العلوم بالعربية… هل هذا واقعي؟
بقلم توفيق السيف ـ كاتب ومفكر سعودي
علم أن الباحثين عن وظائف في هذه الأيام، معظمهم، على الأقل، سيواجهون أبواباً مغلقة، إن لم يكونوا ممن يجيدون اللغة الإنجليزية. وأعلم أن الذين يجهلون هذه اللغة، يعانون عسراً دائماً في أسفارهم، بل وحتى في بعض تعاملاتهم المحلية. أعلم أيضاً أننا نحتاج إلى معرفة اللغات الأجنبية، كي نتعامل مع التقنيات التي تعيد صياغة حياتنا ومعيشتنا، وإلا تخلفنا عن قطار العصر.
أبدأ بهذه المقدمة، كي لا تذهب الظنون ببعض القراء إلى الأبراج العاجية، التي يظنون كتابهم منعزلين بين جدرانها.
خلاصة ما تزعمه هذه المقالة، هو أن البلدان العربية بحاجة إلى تعليم العلوم باللغة العربية، كي ترسي الأساس الضروري لما نسميه البيئة المنتجة للعلم.
وكنت قد ركزت في الأسابيع الماضية على البيئة المحفزة للابتكار، والحاجة لتهيئة الظروف المناسبة، لتمكين الأذكياء والمبدعين من التعبير عن أنفسهم وقابلياتهم. أما مقال اليوم فيزعم أن البيئة الاجتماعية المساعدة في إنتاج العلم، هي تلك التي ينتشر فيها العلم بين عامة الناس ولا يقتصر على النخبة. أي حين ينسجم العلم مع الثقافة العامة ويتفاعل.
كي لا أسهب في الإنشاء، سوف أنقل باختصار تجربتين، ذكرتا في كتاب «اللغة والتعليم» الذي شارك فيه عدة باحثين، وحرره د. قاسم شعبان، وهو عميد سابق ورئيس لقسم اللغة الإنجليزية بجامعة بيروت الأميركية.
تدور التجربة الأولى حول سؤال: هل سيكون تحصيل الطلاب أقل مستوى لو تعلموا العلوم بلغتهم؟
في هذه الدراسة قام ثلاثة باحثين، بمقارنة استيعاب الطلبة لمفاهيم علمية تتعلق بطبيعة المادة. فوجهوا أسئلة متماثلة لمجموعتين كبيرتين من طلبة المدارس الثانوية الأستراليين والهنود. وطلبوا منهم الإجابة عن الأسئلة، كل بلغته الأم.
وقد أظهرت نتيجة الاختبار عدم وجود فارق يذكر بين تحصيل المجموعتين، وهو الأمر الذي اعتبره الباحثون الثلاثة دليلاً على أن اللغة لا علاقة لها باستيعاب المفاهيم العلمية. وقد نشرت نتائج الدراسة في العدد 22 (1985) من مجلة أبحاث تدريس العلوم.
أما التجربة الثانية فكان غرضها التحقق من قدرة الطلبة على اكتشاف العلائق التي تربط بين المفاهيم العلمية المستخدمة في المنهج، والتي تدرس ضمن موضوعات مختلفة.
شارك في التجربة مجموعتان من طلبة المدارس الثانوية أيضاً من ماليزيا واسكوتلندا، الذين يدرسون مناهج متشابهة في المحتوى، لكن كل فئة تتعلم بلغتها الأم. وقد أظهرت التجربة أن الطلبة الماليزيين استطاعوا اكتشاف عدد أكبر من العلائق الصحيحة. واستنتج الباحثون تبعاً لذلك أن استخدام اللغة الإنجليزية، التي تعتبر لغة العلم في عالم اليوم، لم يعطِ الطلبة الذين يستخدمونها أفضلية علمية على غيرهم.
ووفقاً لباحث لبناني هو الأستاذ يعقوب نامق، فإن الطالب اللبناني الذي يتقن اللغة الإنجليزية، يحتاج أربعة أضعاف المجهود اللغوي الذي يبذله زميله الأميركي، كي يستوعب المادة نفسها.
أظن هذا كافياً لإيضاح فكرة أن تعزيز العلم في أي بلد، يتوقف إلى حد كبير على كون الثقافة العامة منفتحة على العلم. ونعلم أن هذا مستحيل ما لم تكن لغة الثقافة ولغة العلم واحدة. نحن هنا لا نتحدث عن حاجات سوق العمل الحالية، كما في النقاشات السائدة، بل عن الحاجة الكبرى لصناعة مستقبل البلد.
ولهذا نقاش آخر ربما نعود إليه في مقبل الأيام.
المصدر: الشرق الأوسط