الجزائر ورهانات القمة العربية
بقلم ناصر حمدادوش
تأتي القمة العربية بالجزائر يومي 01 و02 نوفمبر 2022م بعد انقطاعها لمدة 3 سنوات، ممَّا أخلَّ بالدورية السنوية لها، بعد القمم التاريخية بها سنوات: 1973م و1988م و2005م، وهي القمة الرابعة التي تُعقد بعد حالات الانقسام الفلسطيني والعربي المزمن، والأزمات الحادَّة التي اجتاحت بعض الدول بعد ثورات الربيع العربي، والظروف الدولية التي ألقت بأزماتها الضاغطة عليها سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا، وهي سياقاتٌ داخليةٌ وخارجية مؤثِّرة على أجندات هذه القمَّة العربية، قد تؤهلها من خلال التعاطي الإيجابي معها إلى مستوى اللحظة التاريخية، وأن تعطي وجهًا جديدًا عنها، مما يستوجب على الجامعة العربية الارتقاء إلى تكتلٍ إقليميٍّ مؤثرٍ على السَّاحة الدولية، واتخاذ قراراتٍ قويةٍ وجريئةٍ بكلِّ سيادةٍ واستقلالية.
هناك حدٌّ من النقد التقليدي في وصف الجامعة العربية بأنها “مجرد شكلٍ، تؤدي دورًا، ولم ترقَ إلى فاعلٍ حقيقي”، وهي ليست مسلَّمةٌ بعدم الانتقال بها من الدور الوظيفي إلى الفاعل الرئيسي
لقد تطلعت الجزائر إلى جدول أعمالٍ طموحٍ وملفاتٍ واقعيةٍ كبيرة، وبالرغم من محاولات التشويش والتشويه والإرباك، إلا أنَّها استطاعت أن تتجاوز كلَّ تلك العقبات في طريق نجاح هذه القمَّة شكلاً ومضمونًا، وسيشهد التمثيل الرسمي بحضور ثلثي القادة العرب، وهو التمثيل الذي لم يحصل في قممٍ عربيةٍ سابقة
ولقد تجلَّت الحكمة في اختيار الفاتح من نوفمبر، وهو الذكرى 68 لاندلاع الثورة التحريرية المباركة ضدَّ الاحتلال الفرنسي الذي دام 132 سنة، بما تحمله هذه المناسبة من رمزياتٍ خاصة، لارتباطها بالمقاومة والكفاح والاستقلال الذي سطَّرت الجزائر آياته في الخالدين، وهي الثورة التي حظِيت بالدعم التاريخي العربي: الديبلوماسي والمادي والعسكري، وهو ما بوَّأها بأن تكون “قمَّة الثورات”، “باعتباره تاريخًا جامعًا، كرَّس التفاف الدول والشعوب العربية، وتضامنها مع الثورة الجزائرية المجيدة، وما يحمله من دلالاتٍ تاريخيةٍ مهمَّةٍ حول تمسُّك الدول العربية بقيم النضال المشترك في سبيل التحرُّر وتقرير المصير الموحَّد”، ولا تخلو السَّاحة العربية الآن من استلهام هذه المعاني الثورية من الأنموذج الجزائري في المقاومة والتحرير وتقرير المصير، مثل: الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي.
ومن الرِّهانات التي تتطلَّع إليها الجزائر خلال هذه القمَّة:
أوَّلاً / القضية الفلسطينية: وهي القضية الجوهرية، المحورية والمركزية، من أجل إعادتها إلى موقعها الطبيعي على طاولة الاهتمام العربي، بعد محاولات اغتيالها على أيدي خفافيش التطبيع، وتصفيتها على أجندات صفقة القرن، وسيكون من بين أهمِّ النقاط في جدول الأعمال الذي يضمُّ نحو 20 بندًا، هو تشكيل الفريق الجزائري- العربي لمتابعة تنفيذ “إعلان الجزائر” حول المصالحة الفلسطينية، والذي تمَّ التوقيع عليه يوم الخميس 13 أكتوبر 2022م، بمشاركة 14 فصيلًا فلسطينيًّا، لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية، وهي القضية السَّاخنة التي كانت مثار الجدل والخلاف العربي حولها وقد توصَّلت الفصائل الفلسطينية -تحت الرِّعاية الجزائرية- إلى الاتفاق على بنودٍ مشرِّفة من الناحية النظرية، وهي:
1- أهمية الوحدة الوطنية أساسًا للصمود وتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات في إطار منظمة التحرير.
2- إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية عن طريق الانتخابات.
3- تعزيز دور منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد.
4- انتخاب المجلس الوطني وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية.
5- الإسراع في إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في جميع المناطق، بما فيها القدس عاصمة فلسطين.
6- تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية، مهمتها تنفيذ إستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال.
7- توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات بما يدعم الصمود في مواجهة الاحتلال.
8- تفعيل آلية العمل للأمناء العامين للفصائل لتسهيل عمل حكومة الوحدة الوطنية.
9- يتولَّى فريقُ عملٍ جزائريٍّ فلسطينيٍّ برئاسة الجزائر وبمشاركةٍ عربية للإشراف والمتابعة على تنفيذ الاتفاق.
ثانيًّا / لمُّ الشَّمل العربي: وهو الطموح الذي رفعته الجزائر من أجل تحقيق مصالحات عربية، وكان “إعلان الجزائر من أجل لمِّ الشَّمل لتحقيق الوحدة والمصالحة الفلسطينية” عربونًا في سبيل تحقيق لمِّ الشَّمل العربي، على اعتبار أنَّ فلسطين هي القضية المقدَّسة التي يجب أن يتوحَّد من أجلها العرب ويتجاوزوا خلافاتهم، إذ أنها معيارٌ قابلٌ للقياس في الإمكان العربي في ذلك.
ثالثًا / إصلاح الجامعة العربية: وهو الملف الذي ظلَّ غائبًا أو مغيَّبًا عن القمم السَّابقة، مع الإصرار الجزائري عليه منذ عقودٍ، وتعدُّ هذه القمَّة الفرصة السَّانحة لإعادة هذا الملف إلى الطاولة، وتقديم مقترحاتٍ عمليةٍ في ذلك، تعطي نفَسًا جديدًا للعمل العربي المشترك.
لقد كانت هناك أفكارٌ جزائرية إصلاحيةٌ سابقة، وهي مثارُ خلافٍ تقليدي حولها، مثل: تدوير منصب الأمين العام، وبالرغم من تأييده من بعض الدول العربية الأخرى، إلا أنها لم ترْقَ إلى التوافق حوله، ولكنَّ الأهم منه هو تطوير هياكل ومؤسَّسات الجامعة العربية، بآلياتٍ ديمقراطيةٍ حقيقية، وهي الانتقال من آلية الإجماع إلى آلية التصويت بالأغلبية في رسم التوجُّهات واتخاذ القرارات، بصلاحياتٍ فعليةٍ وملزمة، وباستقلاليةٍ وسيادةٍ كاملة، بعيدًا عن الارتهان إلى أيِّ جهةٍ أجنبية
وهي التوجُّهات الإصلاحية التي يُفترض أن تتأهَّل إليها الدول العربية بعد 77 سنة من تأسيس هذه الجامعة سنة 1945م، بالإضافة إلى آليات فعَّالة ومُلزمة لتنفيذ القرارات والتوصيات التوافقية التي يتمُّ التوصُّل إليها.
رابعًا / العمل العربي والأمن القومي المشترك: هناك زخمٌ جديدٌ وحيويةٌ كبيرةٌ باتجاه تفعيل العمل العربي المشترك؛ إذْ أننا أمام موعدٍ سياسيٍّ مهمٍّ في تاريخ الأمة العربية، يُنتظر منه فتح آفاقٍ جديدةٍ لهذا العمل العربي المشترك، يتجاوز المقاربات التقليدية له، كما أنَّ الأمن القومي الذي يجب ألا يتجزَّأ، يجب أن يُبنى على الإرادة الحقيقية في تشكيل قوة الدفاع العربي المشترك، والحصانة العربية المشتركة، والحماية السِّيادية لأيِّ دولةٍ عربية من أيِّ تدخُّلٍ أو اعتداءٍ أجنبي، وتستوجب المسؤولية المشتركة عدم السَّماح بذلك مهما كانت الأسباب والمبرِّرات.
خامسًا / المصالحات العربية: بما يستوجب تسوياتٍ وتوافقاتٍ من أجل الحلول السِّياسية والسِّلمية، والدَّفع بمسارات السِّلم والمصالحة داخل البيت العربي، بعيدًا عن الحوار بالدِّماء المقدسة، بعد أن تحوَّلت المنطقة العربية إلى ساحةٍ لصراع القوى الإقليمية والدولية، والتي يتم تصفية حساباتها بدماء ودموع الشعوب العربية.
سادسًا / الملفات الاقتصادية والاجتماعية: إذْ هناك أهميةٌ للملفات الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب القضايا السياسية والأمنية، وهي الملفات ذات الأهمية المشتركة التي راهن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية، ومنها: منطقة التجارة العربية الحرة، وإقامة الاتحاد العربي الجمركي، والرؤية العربية للاقتصاد الرقمي، والاقتصاد غير الرسمي، والتعافي من كوفيد- 19، والإستراتيجية العربية للاستخدامات السِّلمية للطاقة الذرية والتعاون الفضائي العربي، والإستراتيجية العربية المشتركة حول الأمن الغذائي والمائي، ودعم بعض الدول العربية التي تمرُّ ببعض الصعوبات: السِّياسية والأمنية والاقتصادية.
المصدر : الشروق