هل يكون الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين؟
بقلم محمد فرج
عام 1973، تحضّر العالم للاستغناء عن نظام بريتون وودز وانهيار مؤسساته وانفكاك الرباط التاريخي بين الدولار والذهب، وواجه “الأزمة النفطية” المرافقة لحرب أكتوبر. لم يكن غريباً أن يسارع الغرب إلى إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد العالمي ودراسة آليات التعامل الجديدة.
على عجل، التقى وزراء المالية البريطاني والفرنسي والألماني والأميركي في مكتبة البيت الأبيض، لتنطلق “مجموعة المكتبة”. وبعد أشهر قليلة، انضمت إليهم اليابان التي ضمّدت جراحها الاقتصادية من الحرب العالمية، لتتشكَّل مجموعة الخمس (G5). ولما كان حضور إيطاليا لازماً أوروبياً، وحضور كندا لازماً أميركياً، تشكلّت مجموعة السبع (G7).
لم يكن غريباً أن يكون الاتحاد السوفياتي خارج الإعداد للعبة الجديدة؛ ففي الشقّ الشرقي من الكوكب، كانت منظمة الكوميكون تديراً اقتصاداً مختلفاً يقوم على تبادل البضائع والخبرات. أكثر من 3 عقود مرّت على العالم المنقسم بين الكوميكون ومجموعة السبع، إلى أن حدثت لحظة الانهيار الكلّي، لتكسب مجموعة السبع عضواً جديداً (روسيا)، وتتشكّل مجموعة الثماني (G8).
لم يكن الانضمام الروسي حاجة اقتصادية للدول السبع. حينها، كان الاقتصاد الروسي المهلهل لا يعرف كيف يطعم أبناءه لكي يعرف كيف يساهم في صياغة الاقتصاد العالمي. لقد كان ذلك الانضمام اعترافاً بالهزيمة لا أكثر.
روسيا الحديثة نفسها لم تكن تشبه نظيراتها في الـG8. كانوا يصفون أنفسهم بقواسم مشتركة لا تشبهها، فهم الاقتصادات المهيمنة على العالم، وجميعهم يتبنون الديمقراطية بنسختها الغربية، وجميعهم أطلسيون ينتمون إلى الناتو. لم تكن روسيا يلتسين المهترئة، ولا روسيا بوتين المتحفظة الهادئة، تشبه ذلك في شيء، فالديمقراطية فيها سيادية لمصلحة مراكز القوى التقليدية في الدولة، ورأسماليتها محافظة وحذرة.
لم تشعر روسيا بأنها جزء من الكيان المتهم في اجتماع المجموعة عام 2001 في جنوا في إيطاليا. حينها، دقّت الاحتجاجات الراديكالية في أوروبا جدران الخزان، معتبرة أنَّ اجتماع المجموعة ليس أكثر من لقاء لهندسة الجوع العالمي. يعرض فيلم “دياز” المشاهد الأكثر تعبيراً عن القمع الذي تعرض له المحتجون آنذاك على يد عناصر الشرطة الإيطالية.
كانت المجموعة الضيقة (مجموعة المكتبة) تعرف ماذا تريد منذ البداية من أيّ عضو جديد: التوريط والاحتواء. التوريط في مسؤولية القرار الاقتصادي العالمي المصاغ أميركياً بشكل منفرد، واحتواء الاقتصادات الصاعدة التي قد تسير على سكة مختلفة عن مزاج الـG7. من هذا النهج بالتحديد، اشتعلت فكرة دعوة دول جديدة إلى المجموعة، وكان الحديث حينها يدور حولG22 أو G33، ولكنها استقرت في نهاية المطاف على G20.
بدأت الدعوات تصل إلى الصين والبرازيل والهند والمكسيك وجنوب أفريقيا وغيرها، وانطلقت العملية المسماة “هيليغندام”، القاضية بتقريب هذه الدول إلى المجموعة بهدوء وحذر. تحضر الاجتماعات العامة ووجبات الغداء، ولكنها لا تشارك في النقاشات التفصيلية. من شاهد صورة الرئيس الصيني آنذاك جينتاو أو الهندي مانموهان سينغ، المنتظرين خارج القاعة، لم يكن يتصوَّر أنّ بلادهما ستعود بهذه السطوة إلى قاعة القمة.
في العام الذي برزت فيه تلك الصورة، سقط الاقتصاد الأميركي بشكل حرّ في أتون أزمة مالية خانقة (2008)، وتوقفت الدورات المالية للبنوك والإقراض، وكانت إدارة بوش الابن تبحث عن كل الشراكات الممكنة (للتوريط والاحتواء)، فكانت مجموعة العشرين جنباً إلى جنب مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك الأمم المتحدة. إلى لحظة الأزمة المالية عام 2008، ظلت مجموعة العشرين الامتداد المتواضع والخجول لمجموعة السبع، وليس الثماني.
أدارت مجموعة السبع هذا الامتداد تحت عنوان رفض الحمائية والجمارك العالية وتسهيل عمليات التجارة الحرة، وتغيّر كل هذا المزاج عندما تغيرت شهية الحدود لتفضّل البضائع الصينية على نظيرتها الأوروبية والأميركية، وكانت تلك اللحظة هي الاهتزاز الأول في أركان مجموعة العشرين.
كانت اللحظة الثانية عام 2014، وكانت الخطوة الروسية في استعادة شبه جزيرة القرم محفزاً لإعادة روسيا مجدداً خارج إطار مجموعة الثماني، ولكنها بقيت في مجموعة العشرين (الامتداد الذي بدأ يتخلّى عن تواضعه).
كانت تلك اللحظة، يضافُ إليها الدخول الروسي على خط المواجهة في سوريا، هي لحظة الإعلان عن عودة العالم المنقسم، وإن لم يكن على طريقة الكوميكون ومجموعة السبع في الحقبة السوفياتية، وتعرّضت روسيا للعقوبات التي كانت غير قابلة للتطبيق على الكوميكون، نظراً إلى اختلاف طبيعة الاقتصاد.
سقط مبدأ الإدارة المشتركة للاقتصاد العالمي، ورصيد العقوبات الذي طال روسيا كان عالياً، وترافقت معه لاحقاً تشريعات جديدة من الإدارة الأميركية ترتدّ على مبدأ التجارة الحرة في إطار محاولة تطويق الاقتصاد الصيني.
اليوم، وبعد 8 سنوات من لحظة القرم، و4 سنوات من المرة الأولى التي جرّبت فيها الولايات المتحدة منع وصول أشباه الموصلات إلى الصين، تدخل حال الحرب في أوكرانيا على الخط، وما استتبعها من أزمات في الطاقة وحصار لإمدادات الطاقة الروسية.
وفي ظل نشاط التكتلات الاقتصادية الجديدة، وعلى رأسها شنغهاي، تجتمع مجموعة العشرين، وهي لم تعد تدار من مجموعة السبع، ولم تعد امتداداً لها، فهل يكون الاجتماع حفلة للوداع؟ لا نعرف، ولكن ما نعرفه أن من يجتمع في القاعة هذه المرة لن ينظر من النافذة بعين واحدة إلى احتجاجات تشبه ما حدث في جنوا!
تبقى ديمومة هذا الإطار برسم إجابة الغرب؛ فإما يقبل الصيغة الجديدة للقاء، وإما تطوى صفحة المجموعات المسماة بعدد الدول الأعضاء.
المصدر: الميادين