ابكوا.. (انتخابات) لم تحضروا لها مثل الرجال

بقلم حسان زهار

ستبقى كلمات عائشة أم أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك غرناطة قبل أن تسقط في يد قائد الفرنجة (فرديناند)، تدوي في السماء، لتطارد بصداها عبر السنين والقرون، كل العابثين الخانعين المرتعشين الجبناء.
ستبقى كلمات تلك المرأة العظيمة، لابنها الذليل المهزوم (إبكِ مثلَ النِّساءِ ملُكاً مُضاعاً.. لم تحافظ عليه مثلَ الرِّجالِ)، كأنها صفعات مؤلمة، تضرب على قفا كل أحمق ذليل، وكل مهزوم يندب حظه كما تندب النساء بالصراخ والعويل..

أقول هذا للمصدومين من “الراغبين المتمنعين”، والمترشحين الذين لم يترشحوا، الذين صدمتهم قائمة المرشحين للرئاسيات التي اعلنتها السلطة المستقلة للانتخابات، البكاءون الندابون الذين يملأون حاليا مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أمضوا أكثر من ثمانية أشهر سواء في لعبة الشارع العبثية، أو في أحلام اليقظة الفارغة، من جماعات الباديسية النوفمبرية.

العدميون الرافضون للانتخابات من دون بدائل موضوعية، المفتونون بساعتين في الأسبوع، قبل أن يعودوا إلى بيوتهم لنوم ما بعد القيلولة، أو الشرفاء الوطنيون، الذين راهنوا على الانتخابات، لكنهم راهنوا عليها بالالتزام الصارم بنوم القيلولة.

الطرفان كانا قمة في الغباء والخنوع، وقد انسحبوا جميعا من دائرة الفعل السياسي الحقيقي المؤثر، وانشغلوا في تنافس محموم على حوض الشرف الرفيع (من هو الأشرف من الآخر)، عبر نوبات من الشتائم المتبادلة، والتخوين العابر للمواقع والانتماءات، بينما تسللت في الأثناء من يسمونها هم بـ”أذناب العصابة” لكي تفعل فعلتها، وتتحرك بكل حرية في اتجاه تحقيق ما تريد.

بالنتيجة، فشل هؤلاء في الترشح أو تقديم مرشح يلتفون حوله، ويدفعون به إلى الحلبة بمليون توقيع واستمارة، لأنهم انشغلوا بلغة بليدة تعيسة، استحلت لعبة تضخيم أرقام المظاهرات في الشارع، حتى قالت احداهن عن الجمعة 37 أنها بلغت 26 مليونا!! وقد كان ذلك من أرقى أشكال الكوميديا السياسية في البلاد، خاصة حين تضرب تلك الأرقام المزعومة في الصفر، اذا ما حسبناها ناحية الواقعية السياسية وحجم التأثير في الأحداث.

وفشل في المقابل، الوطنيون الذين صدعوا رؤوسنا بالباديسية النوفمبرية، في تقديم مرشح واحد يلتفون حوله، وقد طغت عليهم الأنانيات والحسابات الضيقة، حيث انتهوا إلى نفس ما انتهى اليه غرماؤهم، حين يتحدثون عن كونهم الأغلبية الوطنية، لكنهم أغلبية مائعة، وأكثرية كغثاء السيل، حتى حق فيهم قول الرسول الكريم (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن).

حتى أولئك الذين التمسنا فيهم الخير، حين قدموا ملفات ترشحهم، من الشخصيات الجديدة والمستقلة، وقد قدم كل واحد منهم نفسه على أنه “المخلص”، وأن الملايين يدعمونهم، وأن فيهم “قيس الجزائر”، تبين أنهم يخادعون أنفسهم قبل أن يخدعوا الشعب، وقد قدموا ملفات ناقصة، أو مزورة، بل وفارغة، حيث لم يقدر بعضهم على اقناع زوجته وأولاده للتوقيع له..

البكاء على الأطلال لا ينفع في شيء الآن، ولم يحدث أن عاد ميت الى الحياة بعويل أهله.

أما البكاء.. فهذا هو الجرم الذي لا يجوز للشرفاء أو الرجال الحقيقيين أن يقعوا فيه، البكاء الذي تعوز أصحابه الفحولة، حيث كانوا هم وراء النكسة، فلا شرف فيه ولا حياء.

وسيبقى تاريخ الثاني من شهر نوفمبر 2019، لعنة حقيقية تأخذ من تاريخ (3 جانفي 1492) تاريخ سقوط غرناطة قبل خمسة قرون، كل معاني الجبن والفشل والهزيمة، ذلك أن الهزائم الكبرى لا تعني السقوط فقط في المعارك العسكرية ضد الأعداء، وإنما تعني أيضا السقوط في المعارك والمواعيد السياسية الكبرى، من أجل انقاذ الأوطان.

وقد حقت كلمات تلك المرأة الموجوعة في حنكة ابنها وشجاعته، أن تقال اليوم مجددا للبكائين والندابين الجدد من حولنا.. ابكوا مثل النساء.. (انتخابات) لم تحضروا لها مثل الرجال..

ابكوا مثل النساء، وإن كان في النساء نخوة تفوق بكثير، نخوة بعض أشباه الرجال.

المصدر : الشروق