حبيب راشدين يفضح موقف الأفافاس الداعي الى إستنساخ التجربة السودانية

العرق الدساس في “ديموقرايطة” الأفافاس

بقلم حبيب راشدين

عندما يختار حزب عريق مثل “الأفافاس” اقتسام السلطة مع العسكر لقيادة مرحلة انتقالية خارج الدستور بعيدا عن الاحتكام إلى الصندوق، فلا بد للمواطن من أن يعيد النظر في تقديره لما يرفع من شعارات كاذبة حول “السلطة التأسيسية للشعب، والدولة المدنية، والتداول السلمي على السلطة”، لأن أي انتقال على الطريقة السودانية التي امتدحها “الأفافاس” وحث قادة السلطة الفعلية على الاقتداء بها، هو دعوة إلى التداول على سلطة فاسدة فاقدة للشرعية، بسلطة تقتسم أسهمها في الكواليس، وتدين لتوافق ترعاه قوى إقليمية ودولية، هو بالذات ما حصل في السودان.

إشادة “الأفافاس” بنموذج “الانتقال  الديموقراطي” السوداني، الذي سخر مئات الضحايا، وقرابة العام من القمع الدموي للحراك الشعبي، يحمل إدانة لا ترد لحزب من المعارضة ينتسب إلى التيار العلماني، هو من يقود اليوم لفيفا من تنظيمات مجتمع الأقلية لإخراج البلاد من حالة الاستقرار الهش الذي يوفره الدستور، إلى فوضى الحكم المنفلت خارج العقد الاجتماعي الدستوري القائم، وتفرد النخبة ببناء مؤسسات حكم ليس فيها سهم يذكر لمالك السلطة التأسيسية.

دعونا نفكك هذه الدعوة التي كانت حاضرة في مختلف المبادرات الصادرة عما يسمى بالقطب الديمقراطي ويفضح “العرق الدساس” في ما ترفعه من شعارات كاذبة للديموقراطية والدولة المدنية، لأن ما يدعو إليه الأفافاس هو أن “يفوض” الحراك بلا نقاش لأقلية من النخبة المنظمة في الأحزاب والمجتمع المدني، سلطة التفاوض مع العسكر، ليس لبناء “دولة مدنية” عبر مساراتها التقليدية المحتكمة إلى الصندوق، بل لبناء “سلطة فعلية” بأدوات المغالبة، يقتسم ريعها مناصفة بين نخبة كارهة للصندوق، وعسكر هو في الحالة الجزائرية رافض للمشاركة في أي مسار يسقط الدستور.

ما تضمره إشادة “الأفافاس” بالنموذج السوداني يفضح كذب اليافطات الديموقراطية، وزيف دكاكينها في المشهد السياسي، ويكشف كيف أن هذا الحزب الرافع كذبا لشعار “الدولة المدنية” وعودة العسكر إلى الثكنات، لم يكن يمانع في تحرير صفقة في الكواليس تفضي إلى تركيب “مجلس رئاسي” بالمحاصصة مع كبار ضباط مؤسسة الجيش كما حصل في السودان، يرث السلطات الدستورية الواسعة التي كانت للرئيس المستقيل، ومعها استبداد مطلق بالسلطتين التشريعية والقضائية، كما هو وارد في نص البيان الدستوري الذي توافق عليه عسكر السودان مع نخبة سياسية كارهة للصندوق، تاجرت بدماء السودانيين، ورضيت بإملاءات أجنبية إقليمية، خليجية، ودولية، سوف يدفع السودانيون ثمنها إن عاجلا أم آجلا.

دعوة “الأفافاس” التي يؤمن عليها بلا تحفظ ما يسمى بـ “القطب الديمقراطي العلماني” وجانب من الأحزاب والجمعيات التي “صنعت ألواحها” بأعين “الدي إير إيس” ليس لها أدنى فرصة للقيام في مشهد جزائري يختلف عن المشهد السوداني في محطتين على الأقل: حرص مؤسسة الجيش في الجزائر على حماية الحراك الشعبي وتأمينه حتى من شياطينه، وحماية البلد من الفوضى التي قد تترتب على هدم المؤسسات، مع سد أبواب التدخل الأجنبي السافر منه والمبطن، قد وجد قدرا كبيرا من التجاوب الشعبي الرافض لأي تدخل أجنبي، وحرص الشارع حتى الآن على منع اختطاف قيادة الحراك من قوى سياسية معارضة قد وضعها في نفس خانة أحزاب الموالاة.

ولأن هذه المعادلة كانت قائمة منذ 22 فبراير، واستطاعت أن تفشل دعوات الانتقال خارج الدستور يوم كان الحراك في أوجه، فلا سبيل اليوم للمراهنة على تمرير النموذج السوداني الملغم، وقد كان له أكثر من نظير فاشل مدمر في جزائر التسعينيات، وفي مصر “ثورة يناير” وحتى في النموذج التونسي الذي لم يقدم للتوانسة ـ بعد جهد جهيد ـ فوق ما هو معروض على الجزائريين في مقترح إعادة بناء مؤسسات الحكم بالاحتكام إلى صندوق يكون مؤمنا من العبث والتزوير، ليمنحنا فرصة حقيقية لاختبار النخب، وتقويمها، وترحيلها عند الضرورة بسلاسة وبأقل كلفة.

المصدر الشروق