سليم قلالة : هل يجب إرسال حزب جبهة التحرير الى المتحف ؟
رأي في مصير حزب جبهة التحرير…
بقلم سليم قلالة
لا أظن أن إرسال جبهة التحرير اليوم إلى المتحف يخدم الدولة الوطنية رغم المبررات الكثيرة التي يُقدِّمها الساعون لتحقيق هذه الغاية. والسبب الرئيس لذلك في تقديري أن هذا الرمز لطالما كان العد الأول والأخير لقوى الاستعمار القديم والحديث، وأن هذه القوى هي مَن عملت لأن يصل رمز الثورة إلى الحالة التي وصل إليها اليوم.
ولم يكن يُرضيها أبدا أن يكون مصيره كمصير الحزب الشيوعي الصيني مثلا الذي قاد الثورة الشعبية إلى الانتصار ومكّن الصين اليوم من أن تُصبح أول قوة اقتصادية في العالم. لم يتخل الصينيون عن رمزية ثورتهم ولا عن حزبها، بل استثمروا بحق في الإرث التاريخي الوطني لحزبهم وبنوا من خلاله دولة قوية. ولم يدع أحد بأن يحال إلى المتحف.. بل لم تتمكن أية قوة من تشويهه وجعله رمزا للفساد وسوء التسيير… عكس ذلك تماما، لقد تمكَّن الصينيون من جعل الانتماء لحزبهم الوطني شرفا عظيما ووضعوا كل الآليات التي تمنع الانتهازيين والوصوليين من الانتماء إليه، فربطوا بين تقاليد المرحلة الثورية وتقاليد مرحلة البناء…
أما نحن فقد تمكن للأسف أعداء جبهة التحرير التاريخية من تشويهها عبر عنوان الحزب. ومنعوا قيمها من أن تنتشر بين الأجيال الصاعدة، وسعوا بكل الوسائل لأن يُحكَم باسمها ولا تحكم بمبادئها، وفتحوا مجالها لمن هب ودب. ففر الأشراف منها ولم يبق من جوهرها سوى الاسم. وكانت الغاية هي ما وصلنا إليه اليوم أن يَصيح البعض برميها في المزبلة كما صاحوا ذات مرة برمي التاريخ في المزبلة! وآخرون بإرسالها إلى المتحف ضمن فرحة خفية وظاهرة لكل مَن لم يهضم أن هذا الرمز هو الذي انتصر على فرنسا الاستعمارية ولم تتمكن إلى حد اليوم من تقبل الهزيمة… ولن يهدأ لها بال حتى يموت هذا الرمز ويلفه طي النسيان… لذلك سيكونون سعداء اليوم إن بلغوا هذه الغاية.
ولهذا السبب بالذات، فإنه إذا ما كان من موقف من حزب جبهة التحرير اليوم فينبغي أن ينصب على تطهيره من المندسين، وأن يلتف حوله الوطنيون المخلصون بحق، وأن لا يتحول إلى أداة في يد أي سلطة تستخدمه، وأن يُضحُي مناضلوه من أجل رمزيته التاريخية وأن يعملوا على أن يبقى هذا الحزب رمزا للاتجاه الوطني المخلص حتى وإن لم يصل إلى السلطة، بل أن يعملوا على أن يكون هذا الحزب عنوانا لمعارضة أية سلطة تنحرف عن رسالة أول نوفمبر التاريخية أو عن المبادئ التي ضحى من أجلها الشهداء الأبرار.
ولذلك، فإني أرى أنه إذا كان ولا بد من تجديد في هذا الحزب فينبغي أن يكون ضمن هذه الرؤية والفلسفة، حتى يواكب بناء الجزائر الجديدة فيصبح حزب جبهة التحرير الجديد، NFLN وإِنْ بعدد قليل من المناضلين يعتمدون على اشتراكاتهم ومواردهم الخاصة لكي يعيدوا له الاعتبار ويمسحوا عنه تلك الصورة النمطية التي ارتبطت به ويُعزِّزوا موقفه في المجتمع… وقبل ذلك يبقوه حيا في الميدان، يربط القديم والجديد، لا رمزا يزِّين المتاحف يشار إليه من بعيد أنه كان ذات يوم وقتلوه قتلة العبيد…
المصدر الشروق