الحراك… ما بعد الجنازة
بقلم حسان زهار
كما أن الجزائر ما بعد 12 ديسمبر ليست هي الجزائر ما قبله
فإن الحراك ما بعد الجنازة المهيبة للفريق أحمد قايد صالح، لن يكون كما قبله.
نعم.. الجزائر سياسيا بعد انتخاب رئيس للجمهورية، ليست هي نفسها الجزائر التي ظلت تعيش شهورا في حالة فراغ مخيف، فقد تغيرت المعادلة وعلى الجميع إدراك ذلك.
تماما كما أن الحراك ما بعد الجنازة المهيبة للمجاهد الرمز القايد صالح، وحضور الملايين عملية التشييع، لن يكون كما الحراك قبل الجنازة.
الأمور الآن، تبدو قد حسمت بشكل كامل، الدولة انتصرت بشعبها، ومرت إلى بر الأمان وبدأت تقف على قدميها، بعد أن تم قطع دابر المخططات الخبيثة التي كانت تترصد في المنعرج، وسقطت أوهام الانتقالية والتأسيسية والكوطة وألاعيب الكبار بتنفيذ الصغار.
كما انتصر الشعب بدولته، عندما اكتشف ذاته وقد زحفت الملايين من كل ربوع الوطن، لترفع من مقام رجل عظيم، ظل يتعرض لهجمات التخوين والإساءة، ويعلم أن الذين ظلوا يخونون هذا الرجل البطل، هم الخونة وهم “الشرذمة”.
وكما أن الدولة بدأت تتحرك، وتتجه نحو إعادة تشغيل الدواليب المعطلة بفعل العصابة، ها هو الشارع الجزائري بعد الجنازة، يعيد اكتشاف نفسه من جديد، ويتحرك بدوره من أجل أن يكون له صوت مختلف عن الأصوات التي احتكرت الشارع طويلا، وتحدثت باسم الشعب طويلا، ومارست الابتزاز باسمه بشكل مقيت.
اليوم يعاود الحراك الأصيل الظهور، الملايين التي شاركت في حراك الجمعات الأولى تخرج من صمتها، بعد أن بثت فيها روح القايد صالح، التي صعدت الى بارئها، روحا جديدة، هي روح الوفاء للقائد الرمز، الذي حقن دماء الجزائريين، وصان هيبة الدولة ومنع سقوطها.
اليوم يعود مهد الحراك، ويعود قصر الشعب، ويعود “التيفو” الذي حمل صوت الجماهير المغيبة طوال 30 أسبوعا، وتعود المدن الجزائرية الأخرى المغيبة، بعد أن احتلت شوارع البريد المركزي و”أودان” المشهد بالكامل، لكي يتحدث عن أغلبية فضلت في وقت عصيب الصمت حفاظا على الجزائر، لكنها قررت اليوم أن تتكلم لذات السبب، وهو الحفاظ على الجزائر.
لقد ظهرت تلك الملايين المغيبة، بفعل البروباغندا والتزييف طويلا، مع الانتخابات الرئاسية، لكي يردوا بطريقتهم على كل الساقطين أخلاقيا، الذين سخروا من الشيوخ وأهانوا النساء في المهجر، ولكي يعلنوا أنهم رقم صعب لم يأخذه تجار الفتن في الحسبان، وأنهم هم من سوف يقلبون المعادلة بالكامل.
وعلى غير ما يتمناه المرجفون.. فإن السلمية التي رافقها الراحل الكبير، يجب أن تبقى عنوانا لكل الجزائريين، والدماء التي حقنها بصبره وحنكته، يجب أن لا تسفك أبدا، فهي وصية الراحل لمحبيه، بأن الانتصار للوطن، يكون بالأخلاق والوطنية أولا.
هذه الأخلاق وهذه الوطنية، هي التي تفرض أن يعود الحراك الى رشده الذي يكون قد ضيع بعضه في غمرة التجاذبات والاختراقات، فلا ترفع فيه راية غير الراية الوطنية، ولا شعارات غير الشعارات الجامعة الوحدوية.
سيكون على دعاة التخوين والعنصرية والتقسيم والكنفدرالية أن يصمتوا الآن، فقد نبحوا كثيرا حتى أصموا آذان الشرفاء، ويكون على تجار المدنية التي يريدونها عداوة مع “العسكرية” أن يستحوا على أنفسهم، وقد رأوا بأم أعينهم كيف التحم الشعب مع جيشه وقيادة جيشه في الجنازة العظيمة.
الحراك الذي سيبقى هو حراك الشعب وليس حراك الفئة، وحراك الوطن وليس حراك الجهة، وحراك الأخوة “جيش شعب خاوة خاوة”.. وليس حراك الدجل والعداوة.
حراك ما بعد الجنازة.. لن يكون حراك فتنة وتخوين.. بل سيكون حراك رحمة وتمكين.
المصدر: الشروق