هل ستُخرجنا “كورونا” من وَهْمِ التغريب؟

بقلم سليم قلالة

هل ستُعلِن “كورونا” نهاية حقبة حُكم العالم من خلال من منطق الحرب على الإرهاب؟ وهل في ذلك تَبدُّلٌ لقواعد التعامل الدولي؟ وأي انعكاس لذلك على خياراتنا السياسية والاقتصادية؟ هل ستزداد مواقفنا هشاشة وضُعفًا أم قوة ومَنعة؟ وما الذي نستطيع تغييره في ظل  الواقع الذي نعيشه ومحاولات فرضِ نَمطٍ من التحولات فيه؟ وأي الفُرص والتَّهديدات التي يحملها لنا معه هذا العنوان الجديد؟

بداية دعنا نقول، أن الحرب على “كورونا” تكون قد سَرَّعت وتيرة نهاية حقبة حكم العالم باسم الحرب على الإرهاب وإن لم تُنهها بعد. ولا شك أننا جميعا نكون قد أدركنا طبيعة التحولات التي استهدفت منطقتنا بعنوان تلك الحرب. فالهدف كان واضحا من بدايتها الرسمية على الأقل في 2001: خلق تماه بين الإرهاب والإسلام، وخلق متلازمة بين المسلمين والدواعش، ومنع المسار النهضوي العربي والإسلامي الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر من أن يواصل حركيته الحضارية بأطر فكرية وسياسية جديدة.

وهكذا تم كبح، وأحيانا منع بالقوة كافة التوجهات الوطنية ذات البعد الحضاري التي بدأت تتحول إلى مشروع سياسي نهضوي مع نهاية القرن العشرين. واستُبدِلَت بقِوى سلطوية وسُلطانية أقل ما يقال عنها أنها تقبل بالاندماج في المسار التغريبي، وتَقبل بمُهمة  القضاء على حُلم إعادة إحياء أمجاد الأمة الإسلامية كما أحيت الصين أمجاد حضارتها، أو حتى  حلم إعادة بناء نفسها ضمن إطار فكري مُتميِّز عن الغرب المهيمن اليوم كما فعلت روسيا ما بعد “بوتين”…

وتم دعم كل القوى التي كانت مستعدة للعمل ضمن الاتجاه المناهض للذات الحضارية، ضمن عنوان بناء المجتمع الحر. وفُرِضَ على بلدان عربية وإسلامية كثيرة اتباع سياسة تغريبيه باسم الاندماج في العولمة. وباتت المنطقة وكأنها قاب قوسين او أدنى من التحول عن مسارها الحضاري المُتميِّز الذي بدأت تطمح للعودة إليه منذ نهاية القرن التاسع. وكاد الكثير يعتبر أنه لا مفر من الاندماج طوعا أو كرها في هذا المسار المفروض التغريبي الواضح… حتى جاءت “كورونا”! وتجلى بوضوح وهم أيديولوجية وقيم نهاية التاريخ… ولاحت في الأفق بوادر أمل جديدة.. مسار آخر.. مرحلة مختلفة عن سابقتها لأول مرة، الفرص فيها لنا، أكثر من التهديدات.

هل نُعيد صوغ مشاريعنا السياسية والفكرية والاقتصادية على ضوء هذا التبدل الجديد؟ أم سنستمر في الخضوع لوهم هيمنة التغريب وما يفرضه علينا من خيارات على أكثر من صعيد؟

يبدو لي أن “كورونا” قد كشفت لنا أن الخيارات الاقتصادية والسياسية والثقافية الأمريكية والأوروبية، خاصة التي كانت تبدو لنا عنوان المستقبل، قد بدأت من الآن فصاعدا تدخل ضمن عنوان الماضي، وأن الشعوب وحدها هي التي عليها ابتكار مستقبلها انطلاقا من تراثها وثقافتها وحضارتها، كما فعلت الصين وتفعل روسيا والشرق الآسيوي بشكل عام، فقط علينا استعادة الثقة في أنفسنا لنكون كما نريد، وسنكون بإذن الله ما نريد

المصدر: الشروق