تركيا وروسيا ستتجنبان المواجهة المباشرة في ليبيا

يقول الكاتب ديكلان وولش في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن القائد العسكري الليبي المدعوم من روسيا والذي تكبدت قواته سلسلة من الخسائر على أرض المعركة خلال الأيام الأخيرة، أعلن يوم السبت أنه مستعد لوقف القتال والدخول في محادثات لإنهاء الحرب.

ويرى الكاتب أن هذا الإعلان وإن كان من غير المرجح أنه سيسفر عن انتهاء الحرب بشكل فوري، إلا أنه يمثل دليلا جديدا على الدور الحاسم الذي تلعبه تركيا من خلال دعمها لحكومة الوفاق التي تحظى بالاعتراف الدولي، حيث إن تدخلها لصالح الحكومة المعترف بها أمميا أدى لتقويض طموحات روسيا وتغيير مجرى المعارك.

وأضاف أن حفتر أعلن عن عرضه لوقف إطلاق النار أثناء وجوده في القاهرة إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكانت مصر -إلى جانب روسيا والإمارات- قد استثمرت بشكل مكثف في دعم حفتر، وهي الآن تحاول المناورة للحد من خسائره بعد الانهيار المثير لحملته على طرابلس.

ويضيف الكاتب في هذا الصدد أن حجم وسرعة الانهيار في صفوف قوات حفتر شكلا صدمة، ويعتقد المحللون أن انسحاب هذه القوات لا يؤشر فقط على نهاية هجومه على طرابلس، بل إنه سيعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد.

وتنقل الصحيفة عن الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق المجريسي، قوله “إن كل الحسابات تغيرت في ليبيا، ومن غير الواضح ما ستؤول إليه الأمور بعد انقشاع غبار المعارك. ولكن حفتر الآن في موقف محرج”.

ويشير وولش إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أرسل سفينة حربية وطائرات قتالية مسيرة في حزيران/يونيو الماضي، من أجل صد هجوم خليفة حفتر على طرابلس. وقد تمكنت القوات المدعومة تركيًا من تحقيق سلسلة من الانتصارات المهمة في الأيام الأخيرة، ونجحت في طرد قوات حفتر بشكل كامل من الغرب الليبي، ودفعت بها نحو الشرق لمئات الأميال.

وبعد السيطرة على مطار طرابلس الدولي، تمكنت قوات حكومة الوفاق من دخول مدينة ترهونة (جنوب شرق طرابلس) يوم الجمعة، وهي تعد آخر المعاقل لخليفة حفتر في الغرب الليبي. وقد اضطر أتباع حفتر الفارين لترك طائرات مروحية وأسلحة روسية باهظة الثمن، إلى جانب مخازن ضخمة من الذخيرة.

وبحلول مساء يوم السبت، وصلت قوات حكومة الوفاق إلى مشارف مدينة سرت التي تبعد 230 ميلا شرقي طرابلس، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين الطرفين. وقد تعرض مقاتلو الوفاق إلى غارات جوية من طائرات حربية وأخرى مسيرة، أدت لسقوط ما لا يقل عن 19 شخصا بحسب تقارير ليبية.

أما في الجنوب، فقد استؤنف إنتاج النفط في حقل الشرارة العملاق بعد أن فرت منه قوات حفتر.

ويقول المحلل في المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية وولفرام لاشر، “إن السؤال المطروح الآن هو: ماذا بوسع الروس أن يفعلوا؟”، إذ إن هنالك المئات من المرتزقة الروس الذين تم جلبهم في إطار مجموعة فاغنر، وهي شركة خاصة للخدمات العسكرية مرتبطة بالكرملين، لعبت دورا أساسيا في الهجوم على طرابلس، إلا أنها اضطرت الآن للتراجع إلى مواقع آمنة داخل قاعدة جوية يسيطر عليها حفتر.

ويرى لاشر أن هنالك احتمالا آخر هو أن يكون عرض وقف إطلاق النار المزعوم الذي تم إعلانه في القاهرة، مجرد ذريعة لشن ضربات جوية مصرية أو أي تحركات عسكرية أخرى، من أجل دعم حفتر خلال الأسبوع المقبل.

ويضيف هذا المحلل أن حفتر منذ بداية عملياته العسكرية في 2014، بنى لنفسه سمعة بكونه رجلا عدوانيا ومؤمنا بأسلوب القبضة الحديدية ورافضا لممارسة السياسة، وكان دائما يستغل حلفاءه الأجانب ويتغنى برغبته في حيازة السلطة بالقوة.

وفي خطابه الأخير بالقاهرة، تحدث حفتر عن احتلال تركي، وطالب بإخراج كل المقاتلين الأجانب من ليبيا، وهي دعوة اعتبرها الكاتب صادمة بالنظر إلى اعتماد حفتر الكبير على السلاح والمقاتلين والأموال القادمة من الخارج.

ويتوقع المحللون أن تركيا وروسيا ستتجنبان المواجهة المباشرة في ليبيا، وبالتالي قد تتوصلان إلى اتفاق جديد بينهما.

ومن الاحتمالات الأخرى الواردة في ظل التطورات الحالية، أن يواجه حفتر تحديات في معاقله بالشرق الليبي، بعد أن كان قد أقصى كل خصومه بلا رحمة في الماضي.