النظام يحاول إختراق الحراك الشعبي

شرع عدد من الولاة، الأسبوع الماضي، في إجراء اتصالات مع مجموعات من الشباب المنتمين للجمعيات المحلية من أجل إقناعهم بترشيح من ينوب عنهم في الندوة الوطنية المستقلة للوفاق، المتضمنة في خريطة الطريق التي أقرها الرئيس بوتفليقة.

جاءت تحركات الولاة بأمر من وزارة الداخلية التي يسيرها الأمين العام صلاح دحمون، بعد تكليف الوزير السابق، نور الدين بدوي، بالوزارة الأولى، من أجل تأطير الحراك الشعبي على مستوى الولايات وفرض رؤية حكومية ورسمية تدفع نحو تقسيم الشباب المطالب بالتغيير وإصلاح جذري للسلطة والنظام السياسي.

وقد اصطدمت تحركات الولاة في كل من البويرة وميلة وسطيف وغيرها بجدار عال من الرفض الشعبي، وصل مداه إلى حد نشر صور من ترشحهم الإدارة المحلية للإشراف على التمثيل الشعبي والشبابي للحراك، ما دفع بعضهم إلى الإعلان، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رفضهم لمبادرة الولاة، خاصة بعدما تبين أن المعنيين بالاتصال من جانب السلطات الولائية أشخاص منبوذون!

وقد تنوعت المحاولات وتعددت معها أساليب الرفض من جانب الشباب الذين أعلنوا انتفاضة ضد كل من يتكلم باسم ما يسمى “اتحاد الحركة الجمعوية والمواطنين”، معتبرين إياهم “دخلاء” على الحركة الجمعوية ولا يعرف كيف تم اختيارهم ليكونوا ناطقين باسمهم.

وكان الأجدر بالحكومة التعاون بشكل يبعد الشك والريبة عن عمليات التأطير التي هي من اختصاص المتظاهرين الذين يعرف بعضهم بعضا ويحظون باعتراف الشارع المحلي والجهوي، بالاجتماع في جمعيات عامة مفتوحة على الحراك الشعبي واختيار مندوبين عنهم، تمهيدا لتشكيل هيئة وطنية تدافع عن مطالب الحراك وتستقبل الأحزاب والمنظمات الجماهيرية، على أن تمتنع الأحزاب عن الانخراط فيها أو محاولة استقطاب أعضائها، على اعتبار أن الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فيفري الماضي، انطلق وهو لا يعترف، ولا يزال، بالطبقة السياسية والحزبية الحالية، سواء تلك المحسوبة على الموالاة أو المعارضة.

وينطلق هذا المقترح العملي من مبدأ أن ما يشاهد في الساحة حراك بدأ يتحول إلى حركة مدنية وليست حزبية، تنادي بالتغيير، وهو ما يعني سقوط الرؤية الحزبية للتعبير عن مطالبها بإصلاح الأوضاع، عبر الوسائل التقليدية مثل الانتخابات والتداول على السلطة، وذلك بعد أن أكدت السلطة أنها غير قابلة لأي فكر أو نداء للتداول على الحكم بطرق سلمية وسلسة وشفافة، دون إحكام القبضة على مفاصل الدولة وإبرام تنسيقات وتحالفات مع أطراف من خارج “سرايا النظام” التقليدية التي كانت ممثلة بالجيش ورئاسة الجمهورية، وصار التأثير الأكبر يصدر من قطب رجال الأعمال الذين تغلغلوا في مؤسسات الدولة.

فشل ذريع للأحزاب

ويؤشر هذا الفراغ الحاصل في ساحات الحراك الوطني من خلال الطرد المتواصل لرؤساء الأحزاب والشخصيات السياسية التي أصبحت هدفا سهلا لانتقادات الشباب المتظاهرين، بالتزامن مع تأخر تشكيل حكومة قادرة على الاتصال معهم بهدف تهدئة الخواطر وإقناعهم باستجابة السلطة لمطالبهم الحقيقية التي تتمثل أساسا في رحيل الرئيس بوتفليقة ومحيطه الضيق و”الزّمرة” الداعمة لهم من رجال الأعمال وأحزاب الموالاة، رغم إعلان حزبي الأفالان والأرندي وباقي المنظمات الجماهيرية المحسوبة عليهما انضمامها للحراك الشعبي ومساندته!

وقد أبانت تحركات الولاة أيضا عن عجز الأحزاب السياسية عن استرجاع مكانتها في الفضاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، باستثناء، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو ما قامت به السلطة طيلة العقدين الماضيين من تجفيف منابع التيارات الحزبية في الجامعات التي كانت تزودها بالطاقات الشبانية وتضمن استمراريتها أفقيا والتواصل مع الجماهير على المستوى المحلي والجهوي.

كما أظهر الحراك فشل منظومة السلطة في تأطير الشارع، خاصة بعد سقوط سلاح التخويف بأزمات دول عربية ترزح تحت نير الحرب الأهلية مثل ليبيا وسوريا واليمن، بعد أن فشلت السلطات الوطنية في إيجاد حلول وطنية للصراعات وسقوطهم في فخ التدويل الذي فتح هذه البلدان على مصراعيها لصراع دولي بأجندات معقدة في إطار حرب باردة بين القوى العظمى التي تتنافس على الهيمنة على مناطق نفوذ جديدة في القارة الإفريقية وفي شمالها خاصة، وهو ما حذرت منه المعارضة منتقدة جولة نائب الوزير الأول وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، لدول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، واعتبارها تدويلا لشأن داخلي حله موجود في الجزائر وليس خارجا