” الحرب الروسية – الأوكرانية والأمن الغذائي في الجزائر”

بقلم المرحوم الأستاذ غازي عثمانين

مما لا شك فيه إن الحرب الأوكرانية- الروسية التي تدور رحاها حاليا ستؤثر من قريب أومن بعيد على كل العالم. وإذا لم تتدخل الدول ذات النفوذ والتأثير لوقفها فقد تكون سببا في توسيعها إلى دول مجاورة أو حتى حربا عالمية لا تبقي ولا تذر لا سمح الله.

ولكن لا نهوّل الأمر ودعنا نضع أرجلنا في الماء كما يقولون. الجزائر تعتبر من الدول التي قد تتأثر بشكل أو آخر من هذه الحرب جاء في جريدة الشروق اليومي بتاريخ 2022/02/25 أن الديوان الوطني للحبوب قد طمأن الجزائريين وأن الحرب الروسية- الأوكرانية لن تؤثر على مخزون القمح وهو كاف لهذه السنة، والجزائر حققت أمنها الغذائي عبر الاستيراد وحتى من خلال المنتج الوطني، وأعتقد أن هذا المسئول في الديوان المذكور قد استبق هذه الأزمة وتنبأ لها وقام بما ينبغي القيام به من تحقيق الأمن الغذائي لهذه السنة.

للعلم وحسب تقديرات وزارة الخارجية الأمريكية فإن استهلاك الجزائر من القمح لموسم 2020/2021 كان بين 10.7 و11 مليون طن، مقابل إنتاج محلي يقارب 5 ملايين طن، وهذا ما يجعل الجزائر تلجأ لاستيراد ما بين 5 و7 ملايين طن؛ أي بنسبة تتراوح بين 34% إلى 36%  لتغطية نقصها من الإنتاج الوطني.

قضية أمنٍ غذائي

هل من المعقول أننا لازلنا نستورد القمح بعد أكثر من 60 سنة من الاستقلال ولا زالت فرنسا المستعمِرة هي الممول الرئيسي للجزائر إضافة إلى بعض الدول الأخرى كروسيا وكندا وغيرهما؟

المعروف عن هذه الدول أنها كلها تقع في النصف الثاني من الكرة الأرضية ومناخها باردٌ جدا وتصل درجات حرارتها إلى أقل من 10 درجات تحت الصفر ولا ترى الشمس إلا بعض الأشهر، وتغذي شعوبها وتبيع الزائد من منتجاتها إلى دول أخرى، ولا نسمع أنها تشتكي من نقص في المواد الغذائية بما فيها القمح أو السميد أو حتى الخضراوات والفواكه، وعدد سكانها يزيد بكثير عن  عدد سكان الجزائر.

يقال عن الجزائر إنها قارة لمساحتها الكبيرة، وهي 2,382,000 كم² وتُعدّ أكبر دولة في قارة إفريقيا، وتُعرف المنطقة الشمالية بالتل الجزائري أي حوالي خُمس المساحة يقطن فيها أكثر من 80% من السكان، وللأسف أصبح حوالي 70% من المنطقة الشمالية إسمنتيا والبقية أي 80%  تشكل المنطقة الصحراوية وهي غنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن متنوعة ثمينة مثل الحديد الذهب والأورانيوم وغيرها  مما حباه الله تعالى على الجزائر، بالإضافة إلى الماء الذي تتربع بلادنا على أكبر خزان في العالم وتشترك فيه كل من ليبيا وتونس. والمقصود هنا طبقة المياه الجوفية الألبية التي تغطي كل منطقة الصحراء الكبرى، وتشترك الجزائر 70% مع كل من ليبيا 20% وتونس 10%. ويعدّ أكبر احتياطي للمياه العذبة في العالم.

مخزون مائي يكفي 40 قرنا

منذ سنوات كثيرة والجزائر تعيش أزمة خانقة من المياه سواء كان للشرب أو للفلاحة. ويبرر المسئولون ذلك بنقص في منسوب المياه في السدود، بسبب التغيّرات المناخية ونقص الأمطار، والتبذير عند استعمال المياه، والتسريبات التي تحدث في خطوط الأنابيب وعدم إصلاحها في حينها. ويقول خبراء الموارد المائية أن حوالي 40%  من المياه تذهب سدى في الطبيعة دون استغلالها، وكالعادة لما يصل الفأس للرأس كما يقولون يبدأ المسؤولون في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه الإشكالية في وضع خطط للطوارئ من إنشاء مشاريع محطات تحلية مياه البحر وحفر الآبار…

وجاء في تصريح لـ“الشروق” للدكتور أحمد كتاب، مدير مخبر البحوث في علوم الماء بالعاصمة وعضو الأكاديمية الفرنسية للماء، بتاريخ 2017/02/28 على هامش الملتقى الوطني للماء والبيئة الذي عُقد بجامعة بشار، بأن الجزائر تتربع على مخزون مائي هاما يقدر بـــــ40 ألف مليار متر مكعب، وبعض المصادر تقول 50  ألف مليار متر مكعّب موجود ببحيرة بمنطقة الجنوب يكفي مدة 40 قرنا، وتشترك معها تونس وليبيا، وأن بلادنا تتربع على 80 بالمائة منها (بعض الإحصائيات تقول 70%) لم تُستغل إلى حد اليوم، وتمثل خزانا يغطي احتياجات الجزائر من المياه لمدة 40 قرنا، يعني أجيال وأجيال على حدّ قول المتحدث. وقال إن الجزائر تستهلك سنويا ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء، بينما تحتاج حاجياتها بالنسبة إلى المياه الصالحة للشرب والفلاحة وقطاع الصناعة تفوق 20 مليار متر مكعب سنويا.

من جهة أخرى فقد أعلنت “سوناطراك” أنها تعتزم استثمار نحو 40 مليار دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة في تطوير حقول النفط الحالية. هذا شيء جميل وندعمه. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا الدولة الجزائرية لا تخصِّص مبلغا يضاهي مبلغ سونطراك لإنعاش صحرائنا وبذلك نضمن ليس فقط الأمن الغذائي وإنما الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الخارج من قمح وشعير وذرة وخضراوات وغيرها وحتى ماء الشرب والماء للفلاحة؟

ولو قامت الدولة باستصلاح مناطق صحرائنا لكان الحصاد مرتين وليس مرة واحدة في السنة بالإضافة إلى تقليص البطالة عن طريق استيعاب الشباب الجزائري للعمل في الجنوب الجزائري. للتذكير فقط، كانت بعض مناطق صحرائنا تزوِّد الشمال الجزائري ببعض الخضراوات، ولا زالت منطقة وادي سوف تموِّن الشمال بالبطاطا والطماطم وغيرهما.

في الختام أودّ أن نقول: يجب علينا أن نأخذ من هذه الحرب عبرة ودروسا لنتوكل على أنفسنا بعد الله ونعمل كثيرا ونتكلم قليلا.

المصدر: الشروق