د. عثمان سعدي قامة جزائرية كبيرة تغيب
بقلم معن بشور
بعد رحيل قامات كبيرة من الرعيل القومي العربي كأمين عام اتحاد المعلمين العرب الأستاذ هشام مكحل (فلسطين)، ومؤسس جامعة صنعاء الدكتور عبد العزيز المقالح (اليمن)، ووكيل مؤسسي حزب الكرامة الأستاذ أمين اسكندر (مصر)، رحلت اليوم عنا قامة جزائرية عروبية عرفها النضال الوطني الجزائري، كما الدبلوماسية والثقافة هو الدكتور عثمان سعدي.
عثمان سعدي كان من الشخصيات العروبية التي جمعت بين تراث نضالي عريق في جبهة التحرير الوطني الجزائري منذ انطلاقة الثورة عام 1954، حين كان عثمان أميناً عاماً لمكتب جيش التحرير الشعبي الجزائري في القاهرة أبّان الثورة، وبين عمل دبلوماسي متميّز حين عُيّن سفيراً لبلاده في بغداد ودمشق حيث لم يكتف بعمله الدبلوماسي التقليدي، بل سعى لعمل قومي من خلال السعي لبناء الجسور بين العاصمتين العربيتين العزيزتين في زمن الخلاف المدمّر الذي حرص كل عربي مخلص على إنهائه، كما سعى لعمل ثقافي مجيد تمثّل بجمع مئات القصائد التي كتبها شعراء من البلدين في ثورة الجزائر بينهم الجواهري والسياب والبياتي من العراق وعمر أبو ريشة ونزار قباني وسليمان العيسى من سورية.
وحين استقر في الجزائر ركز في عمله الوطني والثقافي على الدفاع عن اللغة العربية التي حاول المستعمر الفرنسي تشويهها خلال الحقبة الاستعمارية الممّتدة لأكثر من 132 عاماً، وأسس مع ثلّة من أحرار الجزائر الجمعية العربية للدفاع عن اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وسط شبه حظر رسمي، بل ودعا إلى تعميم هذه المبادرة في كل أقطار الأمّة انطلاقاً من إدراكه العميق للعلاقة بين اللغة والهوية والثقافة.
ولقد كان تعلقه بالعروبة، وهو الأمازيغي الحر أصيل النمامشة بولاية تبسة، نابعاً من إدراكه أن مخطط الاستعمار يرتكز على الهوية الثقافية الجامعة بين مكونات الجزائر الوطنية، وأن العروبة الحضارية الجامعة عابرة للطوائف والمذاهب والأعراق، بل أنها بنت حضارة عربية إسلامية شارك في صنعها عرب مسلمون وغير مسلمين، ومسلمين عرب وغير عرب متذّكراً دوماً قول الشيخ بن باديس “شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب”.
لذلك كرّس عثمان سعدي جزأً من جهوده الثقافية لاكتشاف العلاقة الوطيدة بين المفردات الأمازيغية واللغة العربية، متحدثاً وبحدّة بعض الأحيان، عن الجذور العربية للأمازيغ في الجزائر والمغرب العربي في الجزائر.
وأذّكر جيداً كما كان فرحه كبيراً حين انعقد المؤتمر القومي العربي الأول في الجزائر عام 2000، بجهود طيّية من صديقه الراحل الكبير الأستاذ عبد الحميد مهري (رحمه الله) ثاني أمين عام للمؤتمر القومي العربي، فقد رأى في هذا الحشد النوعي العربي استمراراً لروح ثورة نوفمبر التحريرية ولجذورها العربية الإسلامية..
ولا أنسى أيضاً جهوداً بذلها مع أخوة جزائريين وعلى رأسهم الرئيس الراحل أحمد بن بله، والأستاذ عبد الحميد مهري (رحمهما الله)، وأمين عام جبهة التحرير الوطني الجزائري آنذاك الأستاذ عبد العزيز بلخادم (حفظه الله) لكي تستضيف الجزائر الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني والأمريكي عام 2010، والذي ترأس لجنته التأسيسية المناضل الكبير الراحل عبد العزيز السيد (رحمه الله)، فقد كان ذلك الملتقى تعبيراً عن مكانة فلسطين وثوارها وأسراها في الجزائر التي رأى قادة ثورتها أن استقلالها لا يكّتمل إلا باستقلال فلسطين..
ونحن نودع اليوم عثمان سعدي ابن الثانية والتسعين من العمر، والذي لم تغادره روح الشباب يوماً واحداً، اذكر كلمة كنت أرددها أمامه كلّما كنا نلتقي: “البراءة لا تشيخ”.. لأقول له اليوم: “سي عثمان العروبة لا تموت وكذلك العربية”
معن بشورـ كاتب لبناني والرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي
المصدر: رأي اليوم