الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة.. الدوافع والموانع

بقلم أيمن الرفاتي ـ عضو مجلس إدارة مركز الدراسات الاقليمية ـ فلسطين

مع تصاعد التحذيرات الأميركية من انتفاضة فلسطينية ثالثة، وسط تأكيد بأنّ الظروف الحالية مهيّأة لاندلاعها، في ظل دوافع فلسطينية لإشعالها في وجه حكومة إسرائيلية متطرفة ترغب بحسم الكثير من الملفات بأي ثمن مع الفلسطينيين، تبرز موانع حقيقية تؤخّر هذه الانتفاضة، ولا سيما موقف السلطة الفلسطينية.

مؤخّراً، حذّر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز والمبعوث الخاص للرئيس الأسبق بيل كلينتون لمنطقة الشرق الأوسط ريتشارد غودستاين من أن الظروف مهيّأة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، مشيراً إلى أن الفلسطينيين يشعرون بإحباط وبعزلة، خاصة بعد تطبيع دول خليجية مع “دولة” الاحتلال، فيما لا تزال أوضاع الضفة الغربية سيئة ومشجّعة لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.

ولا يخفي المسؤولون الأميركيون أنهم تباحثوا خلال زيارتهم الأخيرة لـ”دولة” الاحتلال والضفة الغربية سبل منع اندلاع الانتفاضة الثالثة، وسط تعويل من قبلهم على دور فاعل للسلطة الفلسطينية لمنع تواصل العمليات وإخماد النار التي ستؤدي إلى اندلاع الانتفاضة الجديدة.

دوافع الانتفاضة 

بعيداً عن التقديرات الأميركية، فإنّ هناك العديد من الدوافع التي تأخذ بالفلسطينيين للذهاب نحو انتفاضة ثالثة. وفي هذا الإطار، يمثّل العامل الإسرائيلي أبرز محرّك للفلسطينيين في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة تعمد إلى استفزاز الفلسطينيين وتجاوز قواعد الاشتباك واحداً تلو الآخر، بدءاً من قدسية المسجد الأقصى ومدينة القدس، والأسرى في السجون، والإيغال في دماء الفلسطينيين في الضفة، والتشدّد تجاه فلسطينيي الداخل.

في المقام الثاني، يشعر الفلسطينيون بحجم التهديد المتنامي من قبل الاحتلال تجاههم من جيش وحرس حدود ومستوطنين وتجاه قضيتهم، في ظل إدراكهم أن الحكومة الجديدة ستذهب إلى خطوات أبعد من سابقاتها لإنهاء الحق الفلسطيني، عبر ضم الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان والاستيلاء على الأراضي. فيما يعد الأخطر من ناحية ثانية أن هناك أوامر جديدة للجيش وللمستوطنين ستؤدي لزيادة عمليات القتل وإطلاق النار، حيث يتحوّل الجندي والمستوطن صاحب قرار لقتل الفلسطينيين وفق أهوائه من دون رادع، بل سيجد إشادة ودعماً رسمياً له من المستويين السياسي والعسكري. ولهذا بات يفكّر الفلسطينيون بالانتفاض من جديد في وجه السياسات الجديدة لردع المتطرّفين وتعقيد خياراتهم وجعل ثمن الاعتداءات كبيراً عليهم.

وفي مقام آخر يأتي البعد السياسي، حيث بات الفلسطينيون لا يؤمنون بخيار المفاوضات والسلام مع “دولة” الاحتلال، وأن “نهج أوسلو” لم يحقّق شيئاً للقضية الفلسطينية، بل كان سلبياً عليها، حيث زاد في عهده الانقسام، وحوربت المقاومة، وتراجع الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، وحوصر قطاع غزة، وزادت المستوطنات، بل زاد عدد الشهداء والجرحى والبيوت التي هدمها الاحتلال.

وفي القضية ذاتها، أدى وصول مشروع السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود لدفع الفلسطينيين للتفكير في انتفاضة ثالثة، خاصة مع التنسيق الأمني والاقتصادي مع الاحتلال، والغرق بالخلافات والصراعات الداخلية، إذ لا توجد انتخابات أو ترتيب للبيت الفلسطيني ومنظمة التحرير، واستئثار للفاسدين بالمقدرات، مع تزايد في المخاطر الداخلية والخارجية على القضية الفلسطينية، وبات جيل كامل من الفلسطينيين يرى أن هذه الحالة تمثل إضاعة للحالة الفلسطينية برمّتها.

كل ما سبق تعزّزه استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع كبير في نسبة المؤيّدين لحل مع الاحتلال لتصل إلى الثلث بعدما كانت تصل إلى قرابة النصف في سنوات سابقة، وهذه الاستطلاعات تشير بشكل واضح إلى أن الرأي العام الفلسطيني مهيّأ خلال الفترة المقبلة للدخول في انتفاضة جديدة في وجه الاحتلال.

موانع الانتفاضة

خلال الأعوام الماضية، كانت البيئة الفلسطينية والأحداث التي جرت فيها مهيّأة لأن ندخل في انتفاضة فلسطينية جديدة، فمنذ العام 2005 وحتى يومنا الحالي ارتكب الاحتلال جملة من الجرائم والتجاوزات الكفيلة بإشعال الانتفاضة، إلا أن هذا الأمر اصطدم بعدة موانع، أبرزها غياب استراتيجية وقيادة وطنية موحّدة تعلن الانتفاضة وتقودها في كل الساحات الفلسطينية، بل واجهته قيادة سياسية تسيطر على التمثيل الفلسطيني الرسمي ومنظمة التحرير تحارب كي لا تندلع الانتفاضة الجديدة.

من ناحية أخرى، تعدّ الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرّضت لها فصائل المقاومة في الضفة الغربية المحتلة من الاحتلال بالدرجة الأولى، ومن السلطة بالدرجة الثانية، عبر الاغتيال والاعتقالات المتواصلة، أهم العوامل التي تمنع تطوّر المقاومة وحالتها في الضفة لتدخل انتفاضة جديدة، ويترافق هذا الأمر مع غياب القيادة الميدانية في فصائل المقاومة الفلسطينية والهياكل التنظيمية للفصائل.

في المحصلة، الدوافع كثيرة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال، فيما لا تمثّل العقبات مانعاً رئيسياً أمام اندلاع هذه الانتفاضة، خاصة إذا ما كانت ذات بدايات شعبية واسعة تتجاوز الدور الرسمي والأمني للسلطة الفلسطينية.

المصدر : الميادين