الحل في المدى القصير مع فرنسا

بقلم محمد سليم قلالة

اقترح أنْ يَتمّ التعامل مع إعلان الجزائر من أجل شراكة مُتَجدِّدة بين بلدنا وفرنسا الصادر في آخر أوت الماضي ضمن المدى القريب الذي لا يزيد عن سنتين، بدل الأفق المتوسط المُمتَدّ إلى غاية 2030 المُعلَن في حينه. وهكذا جميع الاتفاقيات التي سيحكمها هذا الإعلان الإطار، والمتوقع إمضاؤها في شهر ماي المقبل، ستتحول إلى اتفاقيات قصيرة المدى، مادامت الحكومة الفرنسية مُتذبذِبة في مواقفها لا نعرف متى تُغيِّرها ولا كيف. المدى القصير هو وحده الذي يحمي مصالحنا ويعفينا من تفاصيل مناقشة المدى المتوسط أو البعيد التي أصبح من الواضح أن احتمالية الالتزام به ليست عالية، كما أننا لا نستطيع حماية حقوقنا ضمن هذا الأفق في حالة الخلاف باعتبار الفارق في ميزان القوة بين البلدين من حيث مستوى التطوُّر الاقتصادي، والناتج المحلي الخامّ، والانتماء إلى تكتل قوي مثل الاتحاد الأوروبي بالنسبة للطرف الفرنسي.

عند قراءة إعلان الجزائر الآنف الذكر، يبدو أن الجانب الفرنسي قد تَردَّد بداية في قَبوله، ثم سارع إلى إمضائه على عجل خوفا من أن تضيع الفرصة منه لصالح أحد منافسيه الأوروبيين الأقوياء وخاصة إيطاليا التي كانت ومازالت تسعى لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع بلادنا على حساب الفرنسيين (الطاقة، التربة النادرة)…

 نحن اليوم في أَريَحِية من أمرنا، ولدينا اتصالاتٌ مع كافة الشركاء الغربيين وبخاصة الأمريكيين في مجال الطاقة (شركة شيفرون) والأمن (أفريكوم)، من دون الحديث عن علاقاتنا الممتازة مع القوى الكبرى الشرقية كالصين وروسيا، ناهيك عن القوى الصاعدة كالهند وجنوب افريقيا والبرازيل والسعودية…

لا يوجد قطّ ما يجعلنا نُسارع لإبرام اتفاقيات مُتوسِّطة أو طويلة الأجل مع الفرنسيين، يكفي التعاملُ معهم في الفترة الحالية بمنهجية المنطق قصير المدى بعد الذي لاحظناه في المدة الأخيرة من تردُّدٍ واضطراب على مستوى الخطاب السياسي والاقتصادي الخاص ببلادنا وأحيانا على أعلى مستوى.

إذا أضفنا إلى هذا طبيعة الوضع غير المستقرّ في أوروبا جَرَّاء الحرب في أوكرانيا، فإننا نزداد قناعة بقوة موقفنا التفاوضي في جميع الاحتمالات. في حالة انتصار روسيا في أوكرانيا، أو في حالة اتفاق روسيا مع الولايات المتحدة على حل وسط في هذا النزاع، وهو الأكثر احتمالا، فإنَّ موقف الاتحاد الأوروبي سيضعف أكثر، وتبعا لذلك الموقف الفرنسي، وبالتالي ستزداد قدرتُنا على التفاوض في المدى المتوسط، مما يزيد من جدوى ابرام اتفاقيات قصيرة المدى اليوم.

نقول هذا الكلام، بعد أنْ ثَبَتَ أن الاتفاقيات بعيدة المدى، أو التي تَحمِل صفة إعلانات شراكة استراتيجية، مثل إعلان 2012، لم تكن قطّ في صالح الجزائر، واستغلّها الطرفُ الفرنسي لتمرير تعاون مُتقَّطِّع وقصير المدى يخدم فقط شركاته ومصالح بلده الخاصة، بعيدا عن كل بُعد استراتيجي مزعوم.

يعيش العالم اليوم حالة ارتياب ولا يقين كبيرة، نتيجة حالة الانتقال من وضع دولي ما قبل أوكرانيا وما قبل كورونا إلى وضع دولي مغاير، وعليه ينبغي الحذرُ كل الحذر في تعاملاتنا خلال هذه الفترة، بعيدا عن كل تأثُّر بتصريحات طارئة أو سلوكيات غير قانونية عابرة يقوم بها هذا البلدُ أو ذاك.

دبلوماسيتنا اليوم في وضع مُتميِّز، عليها أن تُحسِن الاستفادة منه، وبلادنا بإمكانها أن تصوغ تدريجيًّا سياسة خارجية ملائمة لقدراتها، بعيدا عن أي تضخيم أو إنقاص من هذه القدرات. يسعى الطرف الفرنسي إلى استغلال علاقاته القديمة في الجزائر، خاصّة الثقافية منها للإبقاء على هيمنته في المجالات الاقتصادية والسياسية، إلا أن الأوضاع اليوم دوليا ومَحلِّيا بدأت تميل لصالحنا، فلِنتعامل بطريقة أخرى مع هذا الشريك المُتعِب حقًّا… ولِنَفتح لأنفسنا أفُقا أرحب وأوسع يُعطينا مزيدا من الحرية والأمل للتخلص من هذا العبء الثقيل الذي طال حَملُنا له.

المصدر : الشروق