السيارات الكهربائية: بداية صراع جيواستراتيجي جديد!


بقلم محمد سليم قلالة ـ أستاذ بجامعة الجزائر

سيؤثر القرار الأوروبي المتخذ أخيرا بشأن التوقف عن إنتاج السيارات العادية لصالح السيارات الكهربائية على الأوضاع الجيواستراتيجية في العالم ويُغيِّر من معادلة الصراع حول الطاقة التي استمرت تفرض نفسها لأكثر من قرن من الزمن.
يدل هذا القرار أن إرادة التحول الطاقوي التي ما فتئت تُخطِّط لها الدول الغربية قد بدأت تتجسد بالفعل. وما إعلان الاتحاد الأوروبي يوم 14 فيفري الجاري عن قراره التوقف عن إنتاج السيارات بالوقود العادي سنة 2035 إلا دليل على أن أوروبا تضررت كثيرا نتيجة عدم قدرتها على تعويض الغاز الروسي نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا. ورغم أن باقي الدول الصناعية شرعت في التحضير إلى ما بعد البترول والغاز منذ ما لا يقل عن 20 سنة، إلا أنها لم تعرف الظروف التي عرفتها اليوم جراء تدخل قوة عظمى نووية في مجال الصراع حول الطاقة ومن خلال الطاقة. لو استخدمت دول الأوبيك الأخرى هذا السلاح مثلا لَتَم غزوها أو الاستيلاء على منابع النفط والغاز بها بالقوة العسكرية. أما وأن الأمر يتعلق بروسيا فالعقوبات الاقتصادية والحرب غير المباشرة كانت البديل الوحيد لمواجهة هذا الواقع الجديد.

ويبدو أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل إن القرار الأوروبي سيفتح حقبة صراع جيواستراتيجي على مواد أخرى لها علاقة بالانتقال الطاقوي هي المعادن النادرة والتربة النادرة التي تتحكم في جميع أشكال الطاقة غير الأحفورية أو ما يُعرَف بالطاقات المُتجدِّدة…
الليثيوم، الكوبالت، النيكل على سبيل المثال كمعادن نادرة، لا يمكن صناعة أي بطاريات كهربائية دونها (متوفرة في أمريكا اللاتينية خاصة ثم استراليا وإفريقيا وبدرجة أقل في الولايات المتحدة). والنحاس كل ما هو متوفر منه في السوق العالمية لا يزيد عن استهلاك 5 أيام.. ناهيك عن المعادن الأخرى النادرة التي تدخل في صناعة السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة، مثل التيتان والمنغنيس والرصاص والغرافيت والبوكسيت والألمنيوم والنيوديم والكوبالت، ومن ثَمَ فإن الصراع حول هذه المعادن النادرة سيحل تدريجيا محل الصراع على البترول والغاز المعروف اليوم. وستترتب على ذلك أوضاع جيو استراتيجية جديدة.

وإذا علمنا أن الصين اليوم تحتكر قرابة 63 % من هذه المعادن والتربة نادرة (80%من النيوديم)، وأوروبا تابعة تماما(تستورد ما بين 70% و80% من احتياجاتها) وإفريقيا تتوفر على مخزون هائل منها (72% من الإنتاج العالمي من الكوبالت في جمهورية الكونغو)، ستبدو لنا معالم الصراع القادم حول الطاقة الجديدة…
ولعل أكبر إشكال سيُطرَح أن الدول التي تتوفر على احتياطي هام من هذه المواد لا تمتلك التكنولوجية اللازمة لاستخلاصه وليست لديها القدرة على تحويله إلى القابلية الصناعية، الأمر الذي سيطرح أشكالا أخرى من التبعية ومن السيطرة. ما الذي تستطيع دولنا القيام به في هذه الحالة؟

ليس لدينا بديل آخر غير السعي الحثيث لامتلاك تكنولوجيا استخلاص هذه المعادن والتربة النادرة التي لها علاقة بالانتقال الطاقوي القادم وبالصراع على الصعيد العالمي… هل يمكن الاعتماد على روسيا والصين باعتبارهما الأكثر تقدما في هذا المجال؟ هل تقبل البلدان الغربية تحالفا صريحا بيننا وهذين البلدين بسهولة؟ أم هل ستتدخل لمنع ذلك؟
يبدو أن أي خطوة خاطئة في هذا المجال ستُكلِّف بلداننا الثمن غاليا. الصراع القادم بين الكبار سيكون مُميتا، وينبغي أن نخرج منه بأقل الخسائر. هذا ما يتطلب تَبني خيارات جيواستراتيجة سليمة من الآن… كل تحول من الاعتماد على طاقة إلى الاعتماد على أخرى كان عسيرا ومن خلال حرب نوعية. من الفحم إلى البترول إلى المعادن النادرة. قبله وخلال آلاف السنين كان الصراع بالرمح والسيف، لم تتدخل الطاقة كرهان… أما القادم فغير ذلك، هل سَنستعد لما هو قادم وبجد؟

المصدر : الشروق