البرهان وحميدتي من صداقة السلطة إلى صراع الحكم في السودان

بقلم رضا زيدان

تفاقم الصراع بين جناحي المكوّن العسكري في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع)، إذ وصلت الحال إلى مستوىً غير مسبوق من التوتر، أدّى إلى مواجهةٍ مباشرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أودى بحياة نحو 100 شخص وجرح نحو 600 آخرين. ويتبادل كل من الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات ببدء القتال، ويزعم كلاهما السيطرة على مواقع رئيسية في العاصمة ومدن أخرى.

ما خلفية الصراع؟

تعود العلاقة بين البرهان وحميدتي إلى العام 2003، أثناء التمرّد في إقليم دارفور وقت حكم الرئيس السابق، عمر البشير، حيث كان دقلو يرأس مجموعة مسلحة تسمى “الجنجويد” والتي تُحارب حركاتٍ مُسلحةً أخرى في الإقليم، بينما كان البرهان يُنسّق عمليات الجيش في دارفور.

وفي 2015 أيضاً، تعاون البرهان ودقلو في عمليةِ مُشاركة القوات السودانية في العدوان ضد اليمن ضمن التحالف السعودي، حيث تشير التقارير إلى أنّ البرهان أشرف على مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي.

العلاقات تعزّزت بين الطرفين في العام 2019 حين اتفقا على الإطاحة بنظام عمر البشير، لتشكيل مجلسٍ عسكري لحكم البلاد، بعد احتجاجاتٍ حاشدة طالبت بالديمقراطية وحلّ المشكلات الاقتصادية الطاحنة في البلاد.

وبعد الإطاحة بالبشير ترّأس البرهان المجلس العسكري، بينما عُيّن دقلو في منصب نائب رئيس المجلس، إلا أنّ الخلافات دبّت بين المتحالفين القدامى في إثر خلافاتٍ واضحة في طريقة إدارة البلاد، وكادت الأزمة بينهما أن تصل إلى حدّ رفع السلاح في وجه بعضهما في أيار/مايو 2021، إلا أنّ وساطة من رئيس مجلس الوزراء وقتها، عبد الله حمدوك، أنهت الأزمة، وجرى التصالح بين القائدين في منزل حمدوك.

ومنذ انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021، والذي اعتُقل فيه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، يُدير مجلس السيادة الحكم في السودان، وهناك قائدان عسكريان في قلب النزاع وهما عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، من جهةٍ أخرى.

اختلف الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكمٍ مدني، فتوتّر التصعيد الأخير ليس وليد اللحظة، فقد تطوّر عبر تصريحاتٍ ومواقف ليصل إلى محطته الحالية.

الخلاف برز إلى العلن بين الطرفين بعد تصريحاتٍ سابقة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قال فيها إنّه اكتشف منذ اليوم الأول أنّ قرارات قائد الجيش في العام 2021 التي أقصى فيها الحكومة المدنية السائدة نُفّذت لتكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.

ظهر الخلاف بصورةٍ واضحة بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكوّن العسكري الذي يضمّ قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 5 كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقرّ بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.

وتتحدث تسريبات عن خلافاتٍ مُستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بصورةٍ واضحة حول أحقيّة القيادة والتحكّم خلال عملية دمج التدخّل السريع مع الجيش وبعدها.

والخلاف بين البرهان وحميدتي مُتداخل حيث يختلفان على كثيرٍ من القضايا منها الداخلي ومنها أيضاً الخارجي، ولا سيما تعاطي السودان مع دول الجوار وتحديداً تشاد وأفريقيا الوسطى. 

أخفقت الوساطات بين الطرفين رغم عدم الإعلان عن الخلافات بشكلٍ رسمي والاكتفاء بالتلميح؛ إلى أن جاء يوم 13 نيسان/أبريل عندما نشرت قوات الدعم السريع قواتها في الخرطوم وخاصة في قاعدة مروي، وهو ما اعتبره البرهان انتشاراً “غير قانوني” وطالبها بالانسحاب، ليتحوّل الخلاف الخفي والتصريحات غير المباشرة إلى حربٍ بين الطرفين في 15 نيسان/أبريل الحالي بعدما بدأت الاشتباكات بين الجانبين.

ما علاقة النظام السابق؟

اتّهمت قوى الحرية والتغيير “فلول” نظام البشير بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف مكوّن من أحزاب مؤيدة للديمقراطية أبرزها “تجمّع المهنيين” و”الجبهة الثورية” و”تحالف قوى الإجماع الوطني” و”كتلة التجمّع الاتحادي” و”كتلة قوى نداء السودان”، في بيانٍ إنّ “المخطط الحالي هو مخطط لفلول النظام البائد يهدف لتدمير العملية السياسية”.

وشاركت قوى الحرية والتغيير في اتفاقٍ مع الجيش  بشأن إدارة البلاد بعد الإطاحة بالبشير، ويقول قادة الحرية والتغيير إنّ من أبرز أهداف تشكيل حكومة مدنية جديدة هو تطهير القطاع العام من الموالين للبشير، الذين عاودوا الظهور بعد انقلاب تشرين الأول/أكتوبر  2021.

الحلّ السياسي إلى أين؟ 

أُصيبت التسوية السياسية بين المدنيين والعسكر في السودان بالجمود خلال الأشهر الماضية، ما أثار القلق على مستقبلها.

إنّ أحد أسباب الجمود يتمثّل في نقطةِ خلافٍ وحيدة بين الجيش وقوّات الدعم السريع، تتعلق بكيفية تكوين هيئة قيادة مشتركة، ومن يقودها، وذلك في أولى خطوات دمج الدعم السريع في الجيش المنصوص عليها في الاتفاق الإطاري الموقّع بين العسكر والمدنيين في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وهذا النص انتهزه الجيش كفرصةٍ لاحتواء قوات الدعم السريع، واشترط وضع جداول زمنية واضحة له وتنفيذها، لاستمراره في التسوية السياسية، ما أخّر لمرتين التوقيع على الاتفاق النهائي.

ومنذ الـ4 من تموز/يوليو الماضي، أعلنت المؤسسة العسكرية في السودان نيّتها الانسحاب من العمل السياسي، بعد أكثر من 8 أشهر على انقلابها على السلطة المدنية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حيث فشلت في إدارة البلاد وتكوين حكومة تنفيذية، وواجه انقلابها مقاومة واسعة من الشارع السوداني منذ يومه الأول.

وجاء ذلك بعد العزلة الدولية التي مُني بها انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقرارات وقف الدعم في مجال الإصلاحات الاقتصادية بواسطة المؤسسات الدولية.

وفتح إعلان المؤسسة العسكرية الانسحاب من الحياة السياسية الباب أمام 4 دول، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، للتوسّط بين قوى إعلان الحرية والتغيير والعسكريين لتقريب المسافات بينهما، فعُقدت سلسلة من اللقاءات المباشرة وغير المباشرة هي الأولى من نوعها منذ الانقلاب.

وتوصّلت هذه اللقاءات بعد 5 أشهر من بدايتها، إلى اتفاقٍ إطاري “مبدئي” يُعيد العسكر إلى ثكناتهم بعيداً عن الحكم والسياسة. كذلك نصّ الاتفاق على تكوين سلطة مدنية كاملة من كفاءات وطنية من دون محاصصات حزبية ومن دون مشاركة العسكر.

كما نصّ على مبادئ عامة في ما يتعلق بالعدالة والعدالة الانتقالية، واستكمال السلام مع الحركات المتمردة غير الموقّعة على الاتفاقيات السابقة في عام 2020، ومبادئ عامة أخرى تتعلق خصوصاً بالإصلاح الأمني والعسكري وتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وإنشاء لجان فنية لمناقشة القضايات العالقة.

وخلال الأيام الماضية، تجمّد الموقف ولم يعد هناك ذكرٌ لاجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بين الجيش والدعم السريع، ووفق مصادر سودانية فإنّ الأمور تعقّدت عند نقطة تشكيل هيئة قيادة مشتركة والتي جاءت آخر المقترحات حولها بتشكيلها من 6 من القيادات، 4 من الجيش، و2 من قوات الدعم السريع ويرأسها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

ووافقت قوات الدعم السريع على المقترح من حيث المبدأ، لكن محمد حمدان دقلو (حميدتي) رفض قيادة البرهان للهيئة، واقترح أن يرأسها رئيس مجلس السيادة المدني أو رئيس الوزراء المدني، ويُظهر ذلك الرفض مدى العلاقة المتوترة بين الطرفين.

ويرى محللون سودانيون أنّ استمرار القتال قد يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات وإلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد. عندها سيكون من الصعب على الدبلوماسيين الذين أدّوا دوراً حاسماً في الحثّ على العودة إلى الحكم المدني إيجاد طريقة لإقناع طرفي الصراع على خوض محادثات للتهدئة.

ما هي قوات الدعم السريع؟

هي قوّات تشكّلت في عام 2013، وتعود أصولها إلى ميليشيا (الجنجويد) وهي جماعات مُسلّحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً وارتكبت مجازر في دارفور في 2003.

أضفى البشير الشرعية عليها لتتحوّل إلى قوات الدعم السريع وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017، وحصل قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور، وارتكبت جرائم إبادة جماعية بما في ذلك مجزرة قتل فيها أكثر من 120 متظاهراً في حزيران/يونيو 2019.

ويُقدّر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف مسلّح ينتشرون في جميع أنحاء البلاد، وتمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجّهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.

ومحمد حمدان دقلو، هو تاجر جمال سابق حاصلٌ على قدرٍ من التعليم الأساسي ويُعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد، وأدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم، وتولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المُنهار ومفاوضات السلام مع عدّة جماعات متمردة.

على الصعيد الخارجي، يتمتع حميدتي بعلاقاتٍ دولية قويّة مع عدّة دولٍ أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته للقتال في اليمن، وفي ليبيا أيضاً.

وبالنسبة لعبد الفتاح البرهان الذي أدّى دوراً رئيساً بعيداً عن الأضواء في مشاركة السودان في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد اليمن قبل إطاحة البشير، فقد أصبح في دائرة الضوء حين تولى قيادة المجلس العسكريّ الانتقالي في أعقاب إطاحة الرئيس السابق عمر البشير على يد الجيش، في 11 نيسان/أبريل 2019، في إثر تظاهرات حاشدة استمرت 5 أشهر.

في 12 نيسان/أبريل 2019، أدّى البرهان اليمين رئيساً للمجلس العسكري، الذي تولّى السلطة بعد البشير. تقلّد البرهان منصبه بعد أن تنازل الفريق أول ركن عوض بن عوف عن رئاسة المجلس العسكري بعد أقل من 24 ساعة من تسلّمه السلطة، تحت ضغط الشارع الذي كان ينظر إلى ابن عوف على أنه من داخل النظام وحليف مقرّب من الرئيس السابق.

وترأّس البرهان، بموجب هذا الاتفاق، مجلسَ السيادة الذي كُلِّف الإشرافَ على إدارة المرحلة الانتقالية، ووُلد البرهان عام 1960 في قرية قندتو شماليّ الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية، ولاحقاً في مصر والأردن. وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، وكان قائداً لسلاح البر، قبل أن يعيّنه البشير في منصب المفتّش العام للجيش.

المصدر : الميادين