كيف تستفيد الجزائر من العلاقة الاستراتيجية مع الصين؟

بقلم علي لكحل

يقوم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بزيارة رسمية للصين حاملا معه آمالا كبيرة في تعميق العلاقات الجزائرية الصينية في مختلف المجالات والقطاعات، والعديد من المتابعين يدركون طبيعة العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين الطرفين، ولكن ماذا يمكن أن يتحقق لبلادنا من خلال تعميق هذه العلاقة وتحويل الثقة المتبادلة إلى مدلولات رقمية اقتصادية ومدلولات سياسية تتوج عشرات السنين من التقارب شكلت فيها الصين نموذج تنمية ناجح لدولة نامية، وشكلت فيها الجزائر الشريك التاريخي والسياسي والاقتصادي للصين.

أولا: تشترك الجزائر والصين في الدعوة لنظام دولي أكثر عدلا وملتزم بالقانون الدولي. وبإمكانهما الحشد في خدمة هذا الاتجاه لخدمة السلم والأمن الدولي، خاصة وأن عضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن والعضوية غير الدائمة خلال العامين القادمين تجعل التنسيق بينهما ضروريا باتجاه اصلاح الأمم المتحدة وغيرها.

ثانيا: دعمت علاقات جيدة مع الصين مشروع الجزائر في تنمية البنية التحتية، وتنويع تفاعلاتها التجارية الدولية مايسمح للجزائر بتنويع علاقاتها السياسية وعدم الخضوع لمنطق القوى الاستعمارية التي حاولت الانفراد بالسوق الجزائرية دون تحقيق أهداف التنمية او تجاوز العقد التاريخية.

ثالثا: منح الفرصة للجزائر في التفاعل الاقتصادي بعيدا عن المشروطية السياسية لبعض الأطراف الغربية التي تجعل من أولوياتها الدفع باتجاه ديموقراطية مقصودة، غير الديموقراطية المنشودة في أولوية الجزائر المتعلقة بالتنمية والصحة والتعليم والسيادة.

رابعا: في المجال الأمني تسمح هذه العلاقة بنسج سياسات مشتركة في مواجهة التهديدات المشتركة خاصة وأن الصين القوة الصاعدة اقتصاديا بحاجة لحماية استثماراتها وطرق التجارة الدوليه المرتبطة بمشروعها (طريق الحرير)، خاصة وأن الجزائر قد توجهت نحو المزيد من التعاون في مجال المحروقات (البترول والغاز) والمعادن (غار جبيلات وتبسة) وبالتالي، فإن المصالح الصينية المحاطة- كما الجزائر- بمناطق تعرف أزمات داخلية وتنشط بها جماعات مسلحة خارج القانون، ما يهدد مصالح الطرفين ويدفع للمزيد من التنسيق الأمني. ويمكن الإشارة هنا أن المقاربة الصينية الجزائرية في مواجهة الارهاب تلتقي في منح المجال للغة الحوار والاقتصاد والتنمية في دول الأزمات وعدم الاكتفاء بالعامل العسكري، ولذلك دعمت الجزائر مشاريع المصالحة في محيطها في مالي وليبيا وهو نفس التوجه الصيني.

خامسا: مع التغير الذي يشهده مفهوم الأمن، حيث أصبح الفرد والجماعة مصادرا للتهديد وليست الدول فقط، وأصبح بمقدور الأفراد والجماعات الإفادة من التطور التقني لخدمة أجندات تهدد الأمن القومي للجزائر، فإن الجزائر بإمكانها التعويل على التطور التقني في مجال الاتصال والأقمار الصناعية والذكاء الصناعي وكل متعلق بالثورة الرقمية، خاصة وأن الصين أصبحت تعتقد أن طريق الحرير الاقتصادي لابد أن يتدعم بطريق حرير أمني يحمي مصالحها في العالم، ويحافظ على الاستقرار السياسي في الدول التي ترتبط معها بعلاقات متميزة. لأن الفوضى الخلاقة التي تبناها الغرب قادت لتراجع وتعطيل المصالح الصينية في بعض الدول ونذكر من ذلك أن الأزمة الليبية دفعت آلاف الصينيين لمغادرة ليبيا. ما يحدث الآن في السودان ليس ببعيد عن ذلك، والوجود العسكري في جيبوتي أحد تجليات الدفاع الصيني عن مصالحها في البحر الاحمر والقرن الافريقي الذي كان يتعرض للقرصنة. ولم تعد المواجهة العسكرية لوحدها كافية في مواجهة مثل هكذا تحديات لذلك فإن التحكم الصيني في التكنولوجيا الحديثة للاتصالات تشكل مدخلا آخر للتنسيق الامني.

سادسا: تشكو الجزائر من قلة الاستثمارات المحددة في أولوياتها للتنمية وتشكل الصين الشريك الأكثر قدرة على تحقيق ذلك، والصين أيضا تحتاج إلى المزيد من تدفق الثروات الباطنية (أمن الطاقة) لاستمرار مطالب النمو المتزايد في الصين، ولذلك فإن المزيد من الاستثمارات الصينية في الجزائر يعني المزيد من التنمية للطرفين.

سابعا: تسعى الجزائر لنيل عضوية البريكس وأيضا منظمة شنغهاي، والجزائر بحاجة لدعم أهم الأعضاء فيها فبعد زيارة روسيا تأتي زيارة الصين لمزيد من الدعم للمسعى الجزائري.

ثامنا: الموقف الصيني النزاعات الدولية أكثر ميلا للالتزام بالشرعية الدولية، فالصين تشكل ضمانة للشرعية الدولية في ملف الصحراء الغربية باعتبار جزءا من تشكيلة قوات حفظ السلام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، كما أن الضغوط الأمريكية على الكيان الصهيوني مكنت من تراجع الكيان بعد قبولها بعض المشاريع الصينية. كما يهدد الكيان إيران عسكريا، وإيران جزء من منظور أمن الطاقة الصيني، ولذلك يلتقي الموقف الجزائري الدافع باتجاه دعم الاطار القانوني للدولة الفلسطينية ضمن الأمم المتحدة، مع الموقف الصيني المتمسك بالشرعية الدولية، والرافض لتسوية النزاعات عسكريا. لأن ذلك سيضر بأمن الطاقة الصيني في المنطقة ويهدد الاستقرار الاقليمي.

تاسعا: التوجه الأمريكي شرقا نحو آسيا يترك فراغا في الشرق الأوسط تسعى الصين ملأ الفراغ تدريجيا من خلال قوتها الناعمة، وتحتاج لبعض القوى القادرة على التأثير بوزنها وخبرتها في المنطقة ومنها تركيا والسعودية وإيران وسوريا والجزائر. وتسعى الجزائر كغيرها لأن تكون أحد القوى المؤثرة في الإقليم، خاصة في الحديث عن نظام اقليمي جديد.

عاشرا: تلتقي الجزائر والصين أيضا في رفضهما للعولمة بالمفهوم الغربي والتي تستند للقيم الغربية لوحدها بينما تتفاعل الصين مع العولمة الاقتصادية وترفض عولمة القيم الغربية في المجالين السياسي والثقافي، والجزائر كبقية الدول العربية تسعى أيضا للدفاع عن هويتها الثقافية وقيمها الدينية والوطنية، ولديها خلفية حذرة من الخطاب الغربي الديموقراطي الذي عبث (مرحلة الربيع العربي) بسوريا وليبيا والسودان واليمن وغيرهم.

المصدر : الشروق