التمهيد لجائحة الانهيار المبرمج للاقتصاد العالمي

بقلم حبيب راشدين

مع أن فيروس “كوفيد 19” لم يخلِّف حتى الآن سوى أربعة آلاف ضحية، في 120 بلد سُجِّل فيها الانتشار حتى الآن، فإن حجم الهلع والخوف الذي صنعته الدولُ وإعلامها سمح لها باتخاذ تدابير مقيِّدة للحريات، ما كانت تحلم بها حتى في ذروة تمدُّد الترهيب بداعش وأخواتها، بتمرير حالة الإغلاق المطلق لمقاطعات، بل ولدول كاملة، وإرغام الملايين على الحجر الطوعي في بيوتهم، مع شلل غير مسبوق لحركة التنقل بين الدول، وتفعيل إجراءات لم تُتخذ حتى في أصعب أيام الحرب العالمية الثانية.

دعونا نتوقف قليلا عند الإحصائيات التي لم تشكك فيها منظمة الصحة العالمية، بحصيلةٍ من الإصابات لم تتجاوز في ثلاثة أشهر عتبة المائة وعشرة آلاف حالة في 120 دولة، حتى قبل أن تتخذ تدابير الحجر الشامل، وفك الارتباط مع البؤر الموبوءة في الصين، وكوريا الجنوبية، وإيران، وإيطاليا، وما لم تكن الدول كاذبة، فإن حصيلة الوفيات هي حتى الآن دون حصيلة وباء الخنازير، والإيبولا، وأنفلونزا الطيور، وهي بلا شك دون الحصيلة السنوية للأنفلونزا الموسمية.

وما لم تكن الحكومة الصينية تكذب، وتتستَّر على كذبها منظمةُ الصحة العلمية، فإنَّ الوباء هو في تراجع في بؤرته الأخطر، وقد سُجِّلت نسبة شفاء محترمة في أغلب الدول، وبرهن الخبراء على انتهاء فصل شتاءٍ دافئ، وربيع معتدل يقرِّبنا من فصل الصيف، كواحد من أفضل فرص ترويض الوباء حتى لو لم يُكتشف له مصل، والحال فلِمَ هذا الهلع المبرمج، الذي غذته قراراتٌ حكومية مجنونة، تكاد تعطل الحياة العادية بتوقيف الدراسة والأنشطة الاجتماعية والرياضية، وضرب قطاع السياحة الذي تعتاش عليه كثيرٌ من الدول، أضيف إليها حربُ أسعار النفط التي ساهمت مع قرار ترامب وقفَ الرحلات نحو أوروبا، في سقوط مدو للأسهم في أغلب بورصات العالم، وكأن أياد خفية تريد تمرير الإفلاس المؤجَّل للنظام الاقتصادي والمالي النافق تحت راية كاذبة اسمها جائحة كورونا.

لا القرار الروسي الذي اختار هذا التوقيت السيء لرفض تخفيض الإنتاج، ولا القرار السعودي برفع الإنتاج وخفض الأسعار لهما ما يبرِّرهما، حتى مع التسليم بحاجة روسيا والسعودية إلى اغتنام الفرصة لضرب النفط الصخري الأمريكي، لأنَّ الانهيار المبرمج للاقتصاد العالمي كفيلٌ وحده بخفض الطلب على النفط، وانهيار أسعاره فوق ما تقدِّره السعودية وروسيا، وما كان يتمناه ترامب.

أغلب القرارات التي اتخذتها الدول، ومنها القوى الاقتصادية المتحكمة في ثلاثة أرباع الاقتصاد العالمي، ليس لها علاقة بوقف انتشار الوباء، بقدر ما هي مقدِّماتٌ لتوافق خفي بينها على وجوب تفكيك النظام الاقتصادي والمالي النافق، وتمرير ما يرافقه حكما من معاناة للشعوب في أقواتها، ووظائفها، وحرِّياتها الفردية والجماعية، بما نُفذ بنجاح في الصين بتحويل منطقة يوهان إلى معتقل جماعي كبير، وبتعميم التجربة على بلدٍ بالكامل في إيطاليا، ونزول الحرس الوطني الأمريكي لاختبار تقنيات العزل والحصار بالقرب من العاصمة واشنطن.

ولأنها في اعتقادي مقدِّماتٌ لحدثٍ ضخم، يُحضَّر له في الأسابيع والشهور القليلة القادمة، سوف يفجِّر حربا بين الصفوة العالمية، تحصد كبار رؤوس الأوليغارشية المصرفية الربوية التي لن تستسلم بسهولة، فإن من واجب الحكومات في دولنا النامية المستضعَفة، الخروج بشعوبها من دائرة الترويج لهلع مصنَّع من وباءٍ كاذب، إلى دائرة التعامل العقلاني والعاجل مع الجائحة الاقتصادية والمالية الكبرى التي يُركَّب مشهدُها بخطواتٍ حثيثة.

ومن حسن الحظ، أن الجزائر قد تجاوزت في التوقيت المناسب مغامرة الانتقال الفوضوي خارج الدستور، وساعد الحَراك في تحييد جانبٍ من العصابة المارقة، وأوقف النزيف المفزع في الموارد المالية للدولة، وحافظت الجزائر، مع إعادة إعمار موقع الرئاسة، على مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية دون أضرار تُذكر، وبوسعنا أن نستوعب الصدمة القادمة، شريطة الإسراع بمراجعة الميزانية، وتحصين الاحتياطي بالعملة الصعبة من افتراس أمراء الاستيراد والاستيراد، وترشيد استهلاكنا بما يضمن في الحدِّ الأدنى الغذاء والماء والدواء، لأننا سوف ندخل مع بقيَّة دول وشعوب العالم عين الإعصار قبل نهاية فصل الربيع، وكأقصى حدٍّ مع بداية فصل الخريف.

المصدر : الشروق