كيف نتخلص من العنصرية والكراهية؟
بقلم حسان زهار
من المهم التوجه إلى فرض قانون يجرّم العنصرية والكراهية، فقد انتشر الداء حتى غطى على مظاهر الوحدة والمحبة، وباتت الحروب الإثنية المعلنة والمستترة، تشبه إلى حد بعيد الحروب الطائفية في المشرق.
بل إن الحراك السلمي الذي بدأ بمظاهر وحدة غير مسبوقة، وتلاحم رائع بين الشعب وقواه الأمنية، انقلبت فيه المفاهيم الوحدوية فجأة، وتحول التناغم بين أطياف المجتمع الجزائري إلى تنافر غريب، انعكس على شعارات الحراك السلمي، لتتحول المطالب المشتركة كالديمقراطية والحريات والتداول على السلطة، إلى مطالبات هوياتية، ومشاحنات لغوية لم تكن في الحسبان، فارتفعت رايات ورايات، حتى كادت راية الشهداء الجامعة، تغيب عن المشهد.
وشيئا فشيئا أصبح الأمر أخطر مما ينبغي، فارتفعت إلى جانب الرايات الهوياتية رايات انفصالية، ومعها صار التخوين والعنصرية برنامجا للكراهية الشاملة، ينفث سمومها بعض أوباش الخارج عبر منصات حاقدة، ويقوم على تطبيقها في الداخل أدوات لا تقل حقدا.. وكل هذا لم يكن سوى امتداد لفتنة صنعتها فرنسا الاستعمارية عبر مخابرها، وها هي اليوم تجني بعض ثمارها، إن لم يتم وضع حد نهائي لها وفورا.
ولكن.. ما هو السبيل للقضاء على العنصرية وخطاب الكراهية؟ هل من السهولة أن تجدي تعليمة رئيس الجمهورية القاضية بإعداد مشروع قانون يجرم العنصرية والجهوية والكراهية؟ أليس من الممكن استغلال هذا القانون لفرض وجهة نظر معينة، تكون على حساب طرف دون طرف آخر، اذا لم يتم دراسة القانون دراسة متأنية يكون فيها الجميع تحت سلطة القانون دون تمييز ولا ازدواجية في المعايير؟
انها مخاطر يتخوف منها الشارع المتوجس اصلا من كل ما يجري حوله، ولذلك وجب التنبيه إلى مفردات الحل، حتى لا يكون القانون المنتظر مشكلة بحد ذاته، ولعل من بين الإجراءات الضرورية والعاجلة لمواجهة سيل الكراهية المتدفق، وطوفان العنصرية والجهوية الذي يسد أنفاس الشرفاء هو ما يلي:
أولا: أن يتم منع رفع أي راية غير العلم الوطني الذي سالت من أجله دماء مليون ونصف مليون شهيد من العرب والبربر، وهو عنوان وحدتهم وعزتهم، وأن يتم تجريم أي حركة انفصالية تجاهر أو تعمل بالسر على فصل جزء من الوطن الواحد، واعتبار حركة الماك “حركة ارهابية”، على الدولة والشعب التصدي لها وسحقها.
ثانيا: تجريم ومعاقبة كل من يسخر أو يزدري مكونات الهوية الوطنية، ورموزها من مجاهدين وفاتحين ورواد اصلاح.
ثالثا: اعتبار الدين الاسلامي الذي يجمع بين كل الجزائريين خط أحمر، مع تشديد العقوبات على كل من يطعن في الثوابت الوطنية، سواء في الإعلام او المظاهرات او مواقع التواصل الاجتماعي او المحاضرات أو اي طريقة اخرى، أو يقوم بالتحريض ويدعو إلى العنصرية وتفوق جنس على جنس آخر.
إن معركتنا القادمة في محاربة العنصرية والجهوية وخطاب الكراهية، قد تفقد كل مدلولاتها إذا لم تؤخذ مثل هذه المعالم الأساسية مكانتها ضمن القانون، كما تصبح فاقدة لأي معنى، اذا ما استمرت بعض الممارسات الكارثية على مستويات مختلفة، بما فيها بعض أخطاء الدولة نفسها.
ذلك أنه علينا أن نعترف أن توزيع الثروة بالعدل على جميع الجزائريين هي ممارسة حقيقية ضد مظاهر الجهوية المقيتة، تحاربها عمليا، وليس عبر استصدار القوانين فقط، كما أن تولي المناصب السيادية حين يخضع فقط لمعيار الكفاءة والعلم، يكون بحد ذاته أعظم سلاح للقضاء على العنصرية من جذورها، لأن الجزائريين يؤمنون بالملموس أكثر من إيمانهم بالقوانين أو الخطابات.
بل إنه حين تفرض الدولة هيبتها بالقانون، ويحترم المسؤول الدستور، فلا يقر قانونا يتعارض مع دين الشعب، ولا يتكلم لغة ليست لغة الشعب، هنا يتراجع بالضرورة تجار الكراهية والمروجون لها، لأنهم لن يجدوا بيئة تساعدهم على نشرها، حين يكون الجميع قد أنخرط في تغيير جغرافية التقدم، بدل الانخراط في دراسة تاريخ الصراعات والتخلف.
بما يعني أن تجريم العنصرية والكراهية مهم ومطلوب، بل هو واجب في الظروف التي نعيشها، إلا أن ضمان عودة الانسجام والمحبة والوحدة بين الجزائريين، لا يكون إلا عبر تكريس قيم العدالة والحرية والمساواة
المصدر: الشروق