قانونٌ لتجريم العنصرية والجهوية

بقلم حسين لقرع

Résultat de recherche d'images pour "‫صورة حسين لقرع‬‎"

بعد انفلاتٍ كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، اهتدت السلطة إلى فكرة إعداد مشروع قانونٍ “يجرّم كل مظاهر العنصرية والجهوية وخطاب الكراهية في البلاد”، بعد أن لاحظت تصاعد هذا الخطاب و”الحثّ على الفتنة في وسائل التواصل الاجتماعي، واستغلال حرية الحَراك وسلميته لرفع شعاراتٍ تهدِّد الانسجام الوطني”، كما ورد في بيان رئاسة الجمهورية.

هذه الخطوة تأتي بعد أن استفحلت في السنوات الأخيرة آفةٌ باتت تهدد بتفكّك النسيج الاجتماعي للجزائريين على خلفية قضايا الهوية؛ إذ لم يعُد الكثير من المواطنين يتورّعون عن تبادل الشتائم والسِّباب والأوصاف النابية في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منابر للملاسنات وتبادل التهم الجارحة، ما خلّف في النهاية بروز اصطفافات جهوية خطيرة باتت تهدد جدّيا وحدة الوطن والشعب.

لقد سمعنا من تقول إنها ستذبح ابنتها إذا قرّرت تعلّم الأمازيغية في المدرسة، وقرأنا في مواقع التواصل الكثير من الأوصاف النابية بحقّ أبناء منطقةٍ معيّنة، لاسيما خلال الأشهر الأخيرة من الحَراك الشعبي التي فقد فيها انسجامه ووحدته التي عرفها في أسابيعه الأولى… ورأينا من ينكر على بعض الجزائريين هويتهم وأصولهم ويحاول أن ينسبهم إلى أصول أخرى ويُلبسهم هوية أخرى قسرا… ولكن بالمقابل، رأينا من لا يتورّع عن مهاجمة الإسلام والعرب واللغة العربية بعنفٍ وحقد فاقا كل تصوّر حتى بلغ الأمر ببعضهم إلى مهاجمة الفاتحين المسلمين ووصفهم بـ”المحتلين” وتجريم عقبة بن نافع، والمطالبة بترحيل “أحفاده العرب” إلى الجزيرة العربية، غير مكترثٍ بما تنشره مثل هذه الدعوات الهدامة من أحقاد وبغضاء وكراهية بين أبناء الوطن الواحد…
وللأسف، فقد استغلّ المتطرفون من الجهتين، مواقع التواصل الاجتماعي، ليهاجم بعضُهم بعضَهم الآخر بعنفٍ وضراوة، وحوّلوا عناصر الهوية في السنوات الأخيرة إلى عامل فرقة وتشتّت وملاسنات لا تنتهي بدل أن تكون عامل وحدة.

طيلة 14 قرنا كانت العربية والأمازيغية تعيشان جنبا إلى جنب في انسجام تامّ، وكانت الممالك الأمازيغية التي قامت قبل العهد العثماني تخدم بنفسها اللغة العربية من دون أن ترى في ذلك أيّ ضير، فما الذي تغيّر الآن حتى نرى كل هذا التنافر والأحقاد بين غلاة الأمازيغ ومتطرِّفي العرب وهذا السيل الجارف من السِّباب المجنون والشتائم الجارحة التي تخلّف أسوأ الآثار في النفوس وتنذر بعواقب وخيمة؟

لذلك، نعتقد أنّ هذا المشروع القانوني الذي يُنتظر أن تشرع الحكومة قريبا في إعداده، قد جاء في الوقت المناسب ليضع حدا لهذه الهجمات العنصرية المتبادلة التي باتت تهدّد بانقسام مجتمعي خطير. ينبغي إقرارُ عقوبات ثقيلة بحقّ كل من ينشر، على صفحته في مواقع التواصل، خطاب كراهيةٍ وعنصرية ويغذي الانقسام الجهوي ويعمّق الفتنة بين الجزائريين حتى نُلجم المتطرفين حيثما كانوا.. هناك انفلاتٌ خطير فيما يُنشر في هذه المواقع بشأن عناصر الهوية ولا يُعقل أن يبقى بلا عقاب. ولكن بالمقابل نرجو أن يجري إعداد مشروع القانون بتأنٍّ وتبصّر ومن دون تسرّع لتحديد المفاهيم بشكل دقيق، ولتجنّب ترك ثغراتٍ قد يستغلها طرفٌ لقمع طرفٍ آخر أو التعسُّف ضدّه، وحتى يساهم القانونُ في علاج هذه الآفة المقيتة بعمق وبشكلٍ مناسب ومن دون تعسّفٍ أو تضييق على الحريات، مع قناعتنا بأنّ القانون وحده لا يكفي لمعالجة مثل هذه الآفات الخطيرة، ولابدّ أن يؤدي الإعلام والمسجد وشتى فعاليات المجتمع المدني دوره في التوعية ونشر الكلمة الطيِّبة

المصدر: الشروق