خالد نزار يفلت من القضاء السوسري ليجد نفسه أمام العدالة الربانية

الموقف ـ توفي وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد خالد نزار عن عمر يناهز 86 سنة ومن المعروف أن الرجل كان شخصية مثيرة للجدل في الجزائر، تنقسم حولها الآراء بحدة، بالنظر لدوره الحاسم في أحداث مفصلية في تاريخ البلاد خاصة خلال العشرية الدموية التي راح ضحيتها أكثر من 200000 جزائري وشاءت الأقدار أن يعلن عن وفاة نزار في نفس اليوم الذي أعلن فيه القضاء السويسري تاريخ محاكمته بتهم جرائم حرب تتعلق بفترة التسعينيات في الجزائر.

وفي الأشهر الأخيرة، عاد وزير الدفاع السابق ليصنع الحدث مجددا بعد أن قرر القضاء السويسري تتويجا لمسلسل استمر أكثر من عشرين سنة، محاكمته عن شبهة ارتكاب جرائم في فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر، وهي المحاكمة التي أعلن قبل يومين عن تحديد موعد إجرائها في جوان المقبل. وفي لائحة الاتهام التي قدمها مكتب المدعي العام السويسري بحق نزار الاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد سنة 1992. وذكرت النيابة العامة السويسرية في بيان لها أن نزار بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصا محل ثقة لديه في مناصب رئيسة، وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى “القضاء على المعارضة الإسلامية”. وأضافت “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين ويشتبه حسب النيابة العامة السويسرية بأن نزار “وافق ونسق وشجع” على التعذيب وغيره من الأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، إضافة إلى عمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994، عن 11 حالة تقول النيابة إنها وثقتها.

وأدت هذه القضية إلى غضب شديد لدى السلطات الجزائرية التي هاجمت بشدة تعامل نظيرتها السويسرية مع الملف. وبرز ذلك بوضوح في ثنايا اللغة التي وظفها وزير الخارجية أحمد عطاف في مكالمة هاتفية من نظيره السويسري اينياسيو كاسيس، شهر أوت الماضي والغريب في الأمر أن دفاع السلطات الجزائرية عن نزار جاء بعد فترة عانى فيها وزير الدفاع السابق من متاعب مع القضاء العسكري الجزائري نفسه في عهد المرحوم أحمد قايد صالح الذي قرر متابعته في فترة الحراك الشعبي سنة 2019 بتهم “المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية” و”التآمر ضد سلطة الدولة”. واضطر نزار لمغادرة البلاد خوفا من الاعتقال، مطلقا سلسلة تغريدات نارية ضد رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، قبل أن يصدر في حقه بعد ذلك حكم غيابي بـ20 سنة سجنا نافذا. لكن نزار عاد للبلاد بشكل مفاجئ في ديسمبر 2020 مستفيدا من إلغاء الأحكام القضائية الصادرة بحقه. وذلك بعد تعيين الفريق السعيد شنقريحة القريب من نزار على رأس قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي غداة وفاة الفريق أحمد قايد صالح وفي أوت 2022 ، أعاد الرئيس عبد المجيد تبون الاعتبار للواء المتقاعد خالد نزار في إطار حملة إعادة الإعتبار الى عدة جنرالات من الحرس القديم المتورطين في أعمال العشرية الدموية ومؤامرات خطيرة ضد أمن الدولة خلال حراك 2019

ومهما كانت صحة الإتهامات الخطيرة الموجهة لوزير الدفاع السابق خالد نزار من طرف القضاء السويسري فإن وفاته بغلق ملفه الشخصي تكون قد أراحت السلطات الجزائرية من عبء قضائي ثقيل له تبعات سياسية ودبلوماسية خطيرة ولكن هذا لا يعفي الجزائر دولة ومجتمع من إستخلاص العبرة من هذه المحنة بالعمل الجاد في سبيل مصالحة الجزائريين مع تاريخهم بصفحاته المشرقة والمظلمة معآ. خالد نزار الٱن عند الذي لا يظلم أحدآ والذي لا يغيب عنه شيء. وماتحتاجه الجزائر اليوم ليس إنتقام عصابة من عصابة أخرى مثلما تبدو عليه الأمور اليوم في ظل “الجزائر الجديدة” وإنما إرساء أسس دولة يحكمها القانون الذي يتساوى أمامه جميع المواطنين. خالد نزار رحل ولكن العصابة التي ينتمي إليها لا تزال حيْة لا لأن توفيق وتواتي وربراب لم يأت بعد أجلهم ولكن لسبب جوهري أكثر خطورة وهو أن ما كان يسمى ب “حزب فرنسا” تمكن للأسف الشديد من تفريخ جيل جديد بأكمله نجده متنفذآ في جميع مفاصل الدولة العميقة وفي عالم الأعمال والإعلام.