“بوليتيكو”: هل يكون بايدن آخر رئيس صهيوني للولايات المتحدة؟
بقلم جيمي ديتمر
نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية مقالاً للكاتب جيمي ديتمر، يتحدث فيه عن سياسة كامالا هاريس الخارجية المحتملة، ويقول إنّ بايدن قد يكون آخر رؤساء الولايات المتحدة، الذين يعرّفون أنفسهم بأنّهم صهاينة.
يبدو أنّ حاكم ولاية بنسلفانيا الكاريزمي والفصيح، جوش شابيرو، لا يحمل أي ضغينة بسبب خسارته أمام حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، كنائب للمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس. وبدأ التكهن بشأن اختيار هاريس فور الإعلان. فهل تم تجاهل شابيرو بسبب أصوله اليهودية ودعمه القوي لـ “إسرائيل”؟وكما كان متوقعاً، سارع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى وصف قرار هاريس بأنّه ينصبّ في خانة معاداة السامية. وقال صراحة، خلال مقابلة مع قناة “فوكس” التلفزيونية: “كان ذلك لأن شابيرو يهودي”. إنّ اتهام ترامب سخيف، بطبيعة الحال، فهاريس متزوجة برجل الأعمال اليهودي دوج إيمهوف. لكن، بالنسبة إلى ترامب، لا يُسمح للحقائق أبداً بأن تعترض طريق سردية مؤذية جيدة.
كان الرئيس السابق يروّج هذا الخط “المعادي للسامية” بشأن هاريس منذ أسابيع، على الأرجح في محاولة لإثارة الانقسامات السياسية داخل الحزب الديمقراطي المنقسم بشدة بشأن الحرب في غزة، والاستفادة من التوترات داخل المجتمع اليهودي بشأن تعامل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الحملة العسكرية ضد غزة. وسيلقي ترامب أي شيء قد يهز الانتماأت السياسية اليهودية الأميركية، تماماً كما حدث في عام 2020، عندما زعم أنّ اليهود، الذين يصوّتون للديمقراطيين، “غير مخلصين لإسرائيل”.إنّ تكتيكات ترامب ليست مفاجئة. إحصائياً، يتعاطف 7 من كل 10 يهود أميركيين مع الحزب الديمقراطي أو يميلون إليه، ومنذ ترشّح فرانكلين روزفلت، للمرة الأولى، للرئاسة في عام 1932، صوّت معظمهم للديمقراطيين في السباقات الرئاسية.
لكن في الأعوام الأخيرة، صوّت عدد أكبر من اليهود الأميركيين للجمهوريين، وهو تحول تم تشكيله جزئياً من خلال صعود معاداة السامية المزعومة ضد اليسار، في حين أنّ اليهود يشكّلون نحو 2.4% فقط من سكان أميركا البالغين، ولديهم سجل قوي في المشاركة الفعلية في التصويت. وفي سباق متقارب، قد يؤدّون دوراً مهماً في عدد قليل من الولايات المتأرجحة.لكن، في حين يمكن تجاهل ادعاأت ترامب بسهولة، كونها تخدم مصالح ذاتية، فمن المهم أن نلاحظ أنّ بعض الديمقراطيين المؤيدين لـ “إسرائيل” واليهود يوجّهون اتهامات مماثلة، وربما مثل ترامب، يخلطون بصورة عَرَضية بين معاداة السامية وانتقاد الحملة العسكرية الإسرائيلية. في الواقع، في الفترة التي سبقت إعلان هاريس، كان الديمقراطيون التقدميّون المؤيدون للفلسطينيين يضغطون عليها وعلى مساعديها في حملتها الانتخابية من أجل تجنّب شابيرو، بحجة أنّ من شأن اختياره أن يخاطر في ردع الناخبين التقدميين، والأميركيين العرب، في ولاية ميشيغان، التي تشكل ساحة معركة. وهذا يثير حفيظة كثيراً من الديمقراطيين اليهود.
إنّ دعوة هاريس إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة، في وقت سابق من هذا العام، ودعمها الاتفاق النووي الإيراني حبن كانت عضواً في مجلس الشيوخ، مثالان يُظهران وجهة نظرها تجاه “إسرائيل”. ويعتقد زفيكا كلاين، رئيس تحرير صحيفة “جيروزالم بوست”، أنّ “هاريس، إذا صارت رئيسة، فيمكن أن تكون كارثة لإسرائيل وللشعب اليهودي”.لكن، في حين أنّ هاريس أكثر انسجاماً مع الجناح التقدمي في حزبها، من بايدن، وأكثر حرصاً منه على إرضائه، فإنّ موقفها، إن وجد، يعكس بصورة أكبر أميركا المتغيرة، وخصوصاً من حيث التركيبة السكانية. على سبيل المثال، منذ عام 1980، تضاعف عدد الأميركيين من أصل عربي أربع مرات تقريباً. وبين أسرع الجاليات العربية نمواً في العالم، نما عدد الأميركيين العرب بنسبة 30% من عام 2010 إلى عام 2022، ويبلغ إجماليه حالياً نحو 3.5 ملايين.
علاوة على ذلك، فإنّ أسرع المجموعات الديمغرافية نمواً في الولايات المتحدة هي مجموعة الأميركيين الآسيويين واللاتينيين، فهؤلاء ليس لديهم أي روابط بأوروبا أو الشرق الأوسط، وتميل مخاوفهم بشأن السياسة الخارجية إلى الإقامة في مكان آخر.وكل هذا يشير إلى أنّه، مع مرور الوقت، ستكون هناك تعديلات، دوافعها داخلية، تؤثر في السياسة الخارجية الأميركية، ومن المرجح أن تؤدي إلى تأكّل صدقية الحزب الديمقراطي كحليف لـ “إسرائيل”.هذا ليس غائباً عن السياسيين والاستراتيجيين الإسرائيليين “التقدميين”، الذين يتكهّنون أيضاً إلى متى سيظل الديمقراطيون وأميركا في هذا الصدد: أفضل أصدقاء “إسرائيل”.
على الرغم من كل التوترات والخلافات بين نتنياهو وواشنطن بشأن حملة “إسرائيل” على غزّة، فإن بايدن أوفى بادعائه أنّه رئيس صهيوني، كما يصف نفسه.لكنّ القلق الحقيقي يكمن في أنّ الرؤساء الأميركيين في المستقبل قد يعودون إلى موقف البلاد الافتراضي تجاه “إسرائيل” في الأعوام، التي تلت تأسيس الدولة اليهودية مباشرة.لقد رفض الرئيسان هاري ترومان ودوايت د. أيزنهاور تزويد “إسرائيل” بالأسلحة، خوفاً من أن تنضم مصر إلى الكتلة السوفياتية إذا فعلت ذلك. وبناءً على هذا، كانت فرنسا المورد الرئيسي لـ”إسرائيل”، خلال العقدين الأولّين، من “وجودها”، بحيث كانت “إسرائيل” تستغل تعويضات الحرب الألمانية لتتمكن من شراء الأسلحة.
وفي نهاية المطاف، لم يرفع الحظر الأميركي على الأسلحة إلا في عهد الرئيس جون ف. كينيدي، في خطوة صُممت جزئياً لمساعدة الديمقراطيين على حشد مزيد من الأصوات اليهودية الأميركية.لكن، مع تغير أميركا، سوف تتغير الحسابات الانتخابية أيضاً. وقال مسؤول إسرائيلي كبير، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، لصحيفة “بوليتيكو” في وقت سابق من هذا العام: “لقد اضطر كل رئيس وزراء إسرائيلي تقريباً إلى تحدي الرؤساء الأميركيين”. وظل واثقاً بأنّه مهما حدث، فإنّ الحكومات الإسرائيلية ستكون قادرة على القيام بذلك أيضاً في المستقبل من دون أن تعاني عواقب وخيمة.لكن آخرين ليسوا متفائلين تماماً، وهم قلقون من أنّ بايدن قد يكون آخر رؤساء الولايات المتحدة، الذين يعرّفون أنفسهم بأنّهم صهاينة.
المصدر: الميادين