تنصب محاكم التفتيش للمؤرخ محمد بلغيث يعتبر ظلما في حق الرجل

بقلم جمال ضو ـ أستاذ جامعي في الفيزيا

قرأت ما صدر في التلفزيون الجزائري بخصوص حوار الدكتور بلغيث مع قناة سكاي نيوز
في الواقع يبدو لي أن الذي صاغ الجمل والأوصاف لم يستمع جيدا للحوار ولا سياقه، أو أن المواقف المسبقة والإيديولوجية هي التي كانت الإطار الحاكم… يمكنك أن تتفق أو تختلف مع الدكتور بلغيث لكن أن تنصب له محاكم التفتيش بهذا الشكل ويصدر الحكم عليه بأنه تاجر إيديولوجيا في سوق التاريخ، يعتبر ظلما في حق الرجل وتحميل كلامه ما لا يحتمل . فالرجل هذا رأيه في مسألة لم يتفق حولها الجزائريون يوما ..ولا المؤرخون الجزائريون ولا الأكاديميون ولا السياسيون..منذ أزمة حزب الشعب..( وإلا كان الأولى أن نحاكم الشيخ بن باديس الذي نسب الشعب الجزائري إلى العروبة في قصيدته الشهيرة وختمها بتحيا الجزائر والعرب…)..

كما تجدر الإشارة إلى أن الحوار كان بالأساس حول التوتر المتصاعد بين الجزائر وفرنسا.. والأستاذ بلغيث أصطف كليا مع الدولة الجزائرية والخطاب الرسمي..ودافع عن الجزائر تاريخا وأمة وذاكرة…ولكن يبدو أن معد الحوار أراد استدراجه إلى هذا الفخ الهوياتي لما يعرف للرجل من آراء تختلف عن الرواية التي باتت اليوم رسمية وتدرس في الكتب المدرسية..ومع كل أسف وقع الأستاذ في الفخ.

لهذا فإن تعرضه للمسألة الأمازيغية جاء في إطار رأي يتنباه كثيرون..منهم مؤرخون ومنهم أكاديميون ومنهم سياسيون وفئات مختلفة من الشعب..ولم يطعن الرجل لا في وحدة الشعب ولا في هويته..بل عرض وجهة نظر مثلما أشرت في مسألة في تصوري أننا نكذب على أنفسنا إذا قلنا أنها محل اتفاق بين فئات الشعب الجزائري…فكل طرف له قراءة وزاوية وموقف منها..ولا أعتقد أن الكلام الذي جاء على لسان بلغيث يمثل فعلا تهديدا لوجود هذه البلاد أو لثقافتها …اللهم إلا إذا كانت هذه الهوية وضعت على أسس هشة جدا تنال منها كلمات هنا أو هناك.

لهذا فإنني أتمنى من كل قلبي أن يجنح الجميع لصوت العقل وتتوقف أبواق الفتنة التي تريد أن تصور ما قاله الدكتور بلغيث على أنه إعلان حرب على الهوية..لأنه ومنذ أيام فقط خرج أحد رؤساء الأحزاب المعتمدة بالجزائر بخطاب لا يمكن إلا أن يوصف بأنه قدح في الإسلام وسب للانتماء الحضاري الإسلامي لهذه البلاد، ولكن لم نر السيوف تستل ولم تحمر عنواين شاشة التلفزيون الجزائري الرسمي. ومن قبله أقلام ووجوه كثيرة طعنت في الصحابة والإسلام وأقدس مقومات هذا الشعب ولم نر أي انتفاضة في التلفزيون الجزائري الرسمي ولم تنصب لهم المشانق الفكرية ومحاكم التفتيش.

كما أن اللافت في الأمر أن الخطاب الذي صدر من التلفزيون وبعض الجرائد الجزائرية جاء محملا بشحنة عدائية تجاه الرجل والإمارات، وهذا على عكس الخطاب الذي تم تبنيه تجاه الهجمة الرسمية الفرنسية على الجزائر، والذي يتم اختزاله دائما في اليمين الفرنسي الذي يسعى لإفساد العلاقة بين فرنسا والجزائر.
في الأخير..تمنيت فقط أن الدكتور لم يقبل الحوار مع هذه القناة بداية ولا يستدرج في هذا التوقيت، حتى لا يعطي فرصة لنيل منه أو تأويل مواقفه وآراءه التي ليست وليدة اليوم وليست حكرا عليه…وخاصة لما يعلم عن هذه القناة ومن يمولها..ولو أنها قناة معتمدة رسميا في الجزائر…وما جاء في عناوين التلفزيون الجزائري من أوصاف لدولة الإمارات أعتقد أنه تصعيد غير مسبوق ولا أدري إلى أين سيصل…ولكن أتمنى أن لا يكون الدكتور بلغيث الضحية الوحيدة في الأخير… وإن الحكمة تقتضي تصفير المشاكل مع دول جوار والدول العربية بقدر المستطاع مع حفظ المصالح العليا للجزائر .