صواريخ المقاومة الفلسطينية التجريبية: تجهيز للمواجهة ورسائل سياسية

بقلم يوسف أبو وطفة

يسمع الفلسطينيون القريبون من ساحل بحر قطاع غزة على نحوٍ شبه يومي أصوات صواريخ تجريبية جديدة تطلقهاقوى المقاومة الفلسطينية تجهيزاً للمواجهة المحتملة مع الاحتلال الإسرائيلي ولتوجيه رسائل جديدة. وتطلق المقاومة بشكل شبه دوري هذه الصواريخ تجاه البحر، لا سيما “كتائب القسام” الذراع العسكرية لحركة “حماس” التي تعتبر الفصيل الأكبر في غزة، من دون أن تعلن وقوفها وراء عمليات الإطلاق. وترصد إسرائيل، بدورها، إطلاق الصواريخ من القطاع وتسمح بالنشر عبر وسائل إعلامها المختلفة عن رصد جيشها تجارب صاروخية تجاه البحر، وتكتفي بالإشارة إلى مسؤولية “حماس” عن ذلك.

وذكر المراسل العسكري لموقع “والاه” الإسرائيلي، أمير بحبوط، أخيراً، أنّ الذراع العسكرية لحركة “حماس” ما زالت تعزز قدراتها الصاروخية عبر إجراء التجارب. إذ رُصد خلال عام 2018 إطلاق 224 صاروخاً تجريبياً تجاه البحر، وفي عام 2019 أطلق 143 صاروخاً، أما في العام الحالي، ومنذ بدايته وحتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد رصدت إسرائيل إطلاق 160 صاروخاً.

تختلف الصواريخ المطلقة تجاه البحر من ناحية المسافة والقدرة التدميرية

من جهته، ادعى وزير حرب الاحتلال الأسبق أفيغدور ليبرمان، هو الآخر يوم الخميس الماضي، أنّ حركة “حماس” تصنع في غزة صواريخ “كروز” بالإضافة إلى قذائف عنقودية، وتقوم بتجربتها عبر إطلاقها تجاه البحر، في الوقت الذي التزمت فيه “حماس” وذراعها العسكرية الصمت.

فلسطينياً، يحظى إطلاق الصواريخ التجريبية بمتابعة ورصد خصوصاً من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين يوثقون عمليات الإطلاق القريبة منهم ويرصدون أعدادها وطبيعة الأصوات الناجمة عنها ومقارنتها بأخرى. وتختلف الصواريخ المطلقة تجاه البحر من ناحية المسافة والقدرة التدميرية، وهو ما يظهر من طبيعة الأصوات الناجمة عن عمليات الإطلاق، فضلاً عن بعض التفاصيل التي تسرب عبر وسائل إعلامية مقربة من الأذرع العسكرية في غزة.

وخلال السنوات الأخيرة التي أعقبت الحرب على غزة عام 2014، كشفت المقاومة عن صواريخ عدة جديدة بمدى وقدرات تدميرية مختلفة، استخدمت خلال جولات التصعيد عامي 2018 و2019 وأحدث بعضها تدميراً مغايراً للصواريخ التي كانت خلال الحروب السابقة. ولا يقتصر الأمر على إطلاق الصواريخ لفحص حجم المسافة التي تصل إليها، إذ تُنوّع لفحص مدى تطور المنصات التي يطلق من خلالها الصاروخ من أجل إعطائه فاعلية أقوى وقدرة على تحقيق الهدف بشكلٍ أفضل.

في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إنّ الهدف الرئيس لإطلاق هذه الصواريخ والقذائف هو فحص طبيعتها وحجم الإمكانات والمسافة التي تقطعها عند إنتاج كميات منها لاستخدامها في الميدان. ويوضح الصواف في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “كتائب القسام” هي أكثر الأذرع إجراءً للتجارب العسكرية، وهي تهدف في بعض الأحيان لإيصال رسائل للقاعدة الشعبية في غزة وطمأنتها وزيادة التفاف الجمهور الفلسطيني حول مشروع المقاومة. ويرى أنّ عمليات الإطلاق للصواريخ المختلفة من القطاع خصوصاً من قبل حركة “حماس” إلى جانب فصائل فلسطينية أخرى، هي جزء من مهمة الإعداد والتجهيز للمواجهة المقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي.

في الوقت ذاته، يعتقد الصواف أنّ التصريحات الأخيرة لليبرمان وغيره من المسؤولين العسكريين عن طبيعة الصواريخ التي تطلق من غزة، تندرج في إطار الدعاية الانتخابية والتحريض على القطاع، بالإضافة إلى إثبات فشل الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع المقاومة في غزة.

الصواريخ التجريبية ذات دلالة سياسية واضحة بالإضافة لدلالاتها العسكرية

وتزداد وتيرة التجارب الصاروخية من غزة، من ناحية أعداد الصواريخ التي يتم إطلاقها في اليوم الواحد، خلال فترات التوتر على حدود القطاع، أو عند تنصل الاحتلال من تنفيذ التفاهمات التي جرى التوصل إليها بوساطات عدة كان أبرزها الوسيط القطري.

من جهته، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة، أنّ هذه الصواريخ التجريبية ذات دلالة سياسية واضحة بالإضافة لدلالاتها العسكرية، إذ تسعى من خلالها المقاومة للتأكيد على جاهزيتها ورفضها لتدهور الأوضاع المعيشية في غزة. ويلفت أبو زايدة في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ هناك اختلافاً نوعياً وواضحاً في الصواريخ، يتمثل في وصولها إلى مسافات أكبر وإصابتها الأهداف بدقة أفضل مما كانت عليه حينما بدأت صناعتها محلياً خلال انتفاضة الأقصى عام 2000.

ووفق المختص في الشأن الإسرائيلي، فإنه على الرغم من توظيف ليبرمان تصريحاته الأخيرة ضدّ نتنياهو، إلا أنّ طبيعة المنصب الذي شغله كوزير سابق للحرب واطلاعه على تقارير سرية، يؤكد أن تصريحاته تعكس وجود قدرات نوعية لدى المقاومة تخفيها من أجل المواجهة المقبلة. وبحسب أبو زايدة، فإن المقاومة تراقب سلوك الاحتلال وتنوع في وسائلها من أجل الضغط عليه، عبر تطوير أدواتها وتعظيم قدرتها من أجل المواجهة، لا سيما الصاروخية التي اختلفت كلياً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة عن الحروب السابقة أعوام 2009 و2012 و2014.

المصدر: العربي الجديد