هل يمكن تعميم اللغة الأمازيغيّة؟
بقلم عبد الحميد عثماني
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خبرا صحفيا عن تسخير الدولة لكافة الأجهزة المعنية، من أجل اجتياز تلميذة واحدة بولاية تيزي وزو لمادة اللغة الأمازيغيّة في امتحان نهاية التعليم الثانوي.ظهرت المعلومة صادمة على الأقلّ بالنسبة لدعاة تعميم الأمازيغيّة بالإكراه، طالما أن البقية تفكر في الأمر بوطنيّة عقلانيّة، لإدراكها سلفا أنّ القضية يلفها الكثير من التوظيف الأيديولوجي وحتى السياسي من جميع الأطراف. حاول البعض التسلية على النفس بتدقيق المعلومة وإرجاعها إلى بكالوريا 2019 عوض 2022، ولكن ليس من الوارد إطلاقا أن يكون الواقع قد تغيّر جذريّا في ظرف ثلاث سنوات، ولا حتّى تحسّن بشكل لافت، بل على العكس، يبقى الإقبال على تعلّم اللغة الأمازيغيّة محتشمًا في عقر الدّيار.
في عيد يناير 2017، صرّح الأمين العام للمحافظة السامية للغة الأمازيغية، سي الهاشمي عصاد، بتعميم اللغة الأمازيغيّة في المدارس ابتداء من الموسم الموالي (2018)، أمّا الواقع اليوم فنترك جوابه إلى المعني، والذي كانت ممارسته للضغط السياسي واضحة حينها، باستغلال السياق العام أنذاك في فرض أجندة غير متفق عليها.ولا نزال نسمع من هنا وهناك تصريحات لمسؤولين حكوميين، خاصة بقطاع التربية، تبشّر بفرض اللغة الأمازيغية في كل مدارس البلاد، بذريعة تطبيق الدستور، وهو ما يطرح السؤال المشروع علميّا وبيداغوجيّا: هل حان وقت تعميمها بالإجبار على كل تلاميذ الجزائر، بل وهل هو مقبول أصلاً؟ وتحت أيّ شروط إلزاميّة ينبغي أن يتحقق الأمر لو حصل بالفعل؟ لقد نصبت الجزائر “المحافظة السامية للأمازيغية” في 27 ماي 1995، أيّ أنّ عمرها اليوم 27 عامًا، ثم تمّت بقرار رئاسي غير شعبي (تحت غطاء برلمان مزوّر) دسترتها في 2002، قبل أن يتمّ ترسيمها بعد 14 سنة بنفس الآلية في دستور 2016، لتصبح لغة وطنية ورسمية، ومن الضروري اليوم، قبل الإقدام على مزيد من القرارات، إجراء التقييم الموضوعي لما تمّ إنجازه، لتصويب الأخطاء والبناء فقط على الصواب.
إذا كان الجزائريون مُجمعون على ترقية الأمازيغيّة ثقافيّا، باعتبارها مكوّنًا أساسيّا ضمن عناصر الهوية الوطنية، بل إنّ الكثير منهم قبِل، ولو على مضض، اعتمادها كلغة، في إطار سحب البساط من عرّابي النزعات الانفصالية ومواجهة ضغوط مطالب الأقليات التي يفرضها تيّار العولمة (والحديث هنا عن الفكر وليس الواقع، لأنّ الشعب الجزائري لا يعرف الأقلية والأغلبيّة فهو مزيج عرقي منصهر منذ قرون)، لكن بالمقابل يرفضون تسييس المسألة الأمازيغيّة وأدلجتها، لأنّ ذلك سيحوّلها من دعامة صلبة لتعزيز الوحدة الوطنية إلى معول هدم في يد أصحاب المصالح الفئوية الضيقة.الملاحظ الآن أن هناك دفعا سياسيا لفرض لون واحد من الأمازيغية، في انتهاك صارخ لأحكام الدستور من أنصارها الذين يشتغلون تحت مظلته ويستفيدون من إمكانات الدولة باسم القانون. ولعلّ المؤشر الرمزي الذي يتبادر إلى ذهن المتابع للملف هو انحدار مسؤولي الهيئات الموكلة بترقية الأمازيغية وتطويرها من منطقة واحدة دون غيرها، من “المحافظة السامية للأمازيغية” إلى “المجمع الجزائري للغة الأمازيغية”، مرورًا بـ”المركز الوطني البيداغوجي واللغوي لتعليم الأمازيغية”.
ثمّ لماذا نتغافل عن التباين اللساني للأمازيغية في الجزائر بين اللهجات القبائلية والتارقيّة والشاوية والميزابية والشلحيّة، بينما يريد البعض عنوة فرض لسان واحد على الجزائريين، في وقت يقرّ كبار اللسانيّين الأمازيغ أنفسهم، وفي المقدمة منهم، الباحث صالح بلعيد، أنه لا وجود للغة أمازيغيّة معياريّة جامعة وموحدة، فهي قيد البحث والإنشاء، وأن هذا الأمر يتطلب عقودا من التدرّج والعمل الجادّ من المختصين المحترفين الأكفاء، بعيدا عن ضجيج السياسة.بل الأسوأ من ذلك، إصرار الأقلية الفرنكوفيليّة على تغريب الأمازيغيّة باستعمال الحرف اللاتيني في كتابتها، مع أنّ الدراسات اللسانيّة تثبت علاقتها الاشتقاقية بالجذور العربيّة وعجز اللاتينية عن سدّ حاجتها المعرفيّة، ناهيك عن البعد الحضاري والوطني المتعلق بحتمية التكامل والتناغم الوجداني ضمن الانتماء العربي الإسلامي، مقابل الغربة التي سيفرضها اللسان اللاتيني.لذلك ينبغي التحذير اليوم من الاستعجال في تعميم الأمازيغية، أما فرضها في المنظومة التربوية بإضفاء الطابع الاجباري فيبقى مرفوضًا مرحليّا، قبل توحيد تلك اللهجات الشفاهية بتكوين قاموس لغوي معياري جامع وضبط “المجمع الجزائري” للحرف الأنسب في كتابتها، مع أنّ الرأي الراجح هو استخدام الحروف العربيّة.
إنه من غير المقبول، ولا البريء بتاتَا، تجاوز إرادة المجتمع والدولة بمؤسساتها الدستوريّة في التعامل مع المسألة الأمازيغية لصالح جهات ما على حساب الوحدة الوطنية.ومع كامل التحفظ على مسار التعاطي مع الملف من بداياته الأولى، خاصة ما تعلّق بالهروب من الاستفتاء الشعبي، ثمّ ظروف تشكيل “المجمع الجزائري للغة الأمازيغية” مع نهاية عهد العصابة، فإنّ المصلحة الوطنية واحترام الدستور يستوجبان على الأقلّ ترك تلك الهيئة المخوّلة تتكفّل بجمع الرصيد الوطني للغة الأمازيغية بكل تنوعاتها اللسانية وتوحيدها، لإعداد قاموس مرجعي لها، وكذا ضبط حرف أو حروف كتابتها، قبل الحديث عن تعميمها مدرسيّا بشكل فوضوي ومشبوه.
المصدر : الشروق