إذا ألقينا نظرةً
تقييميّةً لنتائج معركة الأيّام الثّلاثة الماضية بين حركة الجهاد الإسلامي
ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، يُمكن القول، وبناءً على الوقائع الميدانيّة،
والمعايير السياسيّة، أنّ الأولى، أيّ حركة الجهاد، خرجت الفائز الأكبر
رغم الخسائر التي لحقت بها وأبرزها اغتيال اثنين من أبرز قِياداتها
الميدانيّة، تيسير الجعبري وخالد منصور.
خسائر دولة الاحتِلال كانت
كبيرة، وربّما لو لم يتم التوصّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار الذي جاء
ثمرةً للوِساطة المِصريّة، لتضاعفت هذه الخسائر عدّة مرّات، ماديًّا،
وسياسيًّا ومعنويًّا، فمِنَ الطّبيعي عندما تجد حركة الجهاد نفسها وحيدةً
في الميدان، وقد تخلّى عنها أبرز حُلفائها “المُفتَرضين”، أن تقبل باتّفاقِ
وقف إطلاق الصّواريخ الذي لم نطّلع على بُنوده حتّى كتابة هذه المقالة،
لالتقاط الأنفاس، والاستِعداد للمعركة المُقبلة، وهي وشيكة حتمًا.
نشرح أكثر ونقول إن إطلاق
أكثر من 950 صاروخًا ومِئات من قذائف مدافع الهاون في غُضون يومين، وصل
بعضها إلى القدس المُحتلّة وتل أبيب، ومُدُن غِلاف غزّة مِثل عسقلان وأسدود
وسدروت هو إنجازٌ كبير من قبل تنظيم صغير الحجم، كبير الإرادة قليل
الإمكانيّات مِثل “الجهاد الإسلامي”، هو انتصارٌ كبير وكسْرٌ لكُلّ
المُعادلات على الأرض، وتصدير ثقافة الرّعب إلى الطّرف المُحتَل.
مرّةً أُخرى نقول إن
العبرة ليس في عدد القتلى في صُفوف الاحتلال، أو الشّهداء في صُفوف
المُقاومة، والشّعب الفِلسطيني، رغم أهميّتها، ولكنّ العِبرة في الإنجاز
السّياسي والمعنوي وحجمهما والأبعاد المُترتّبة عليهما، ويكفي الإشارة إلى
أن الجانب الإسرائيلي أُصيب في مقتل عندما خسر “الأمنَيْن” النّفسي
والمعنوي، وفشلت قُببه الحديديّة، دُرّة تاج صِناعته العسكريّة، وكلّف
إنتاجها وتطوّرها عشَرات المِليارات من الدّولارات في اعتراضِ نسبةٍ كبيرة
من صواريخ المُقاومة الجهاديّة التي أطلقتها من قطاع غزّة في اليَومين
الأوّلين.
نجزم بأنّ اتّفاق وقف
إطلاق النّار الذي توصّل إليه الوسيط المِصري لن يكون أفضل حالًا من
الاتّفاقات السّابقة، وما أكثرها، لأنّ دولة الاحتِلال لن تلتزم بمُعظم
بُنوده، إن لم يكن كلّها، ولهذا حاولت حركة الجهاد التهرّب من القُبول به،
ولكن ماذا يُمكن أن تفعل وقد جرى تركها وحيدةً في الميدان من قِبَل الفصائل
الأُخرى، صغيرها وكبيرها ولأوّل مرّة في تاريخ المُقاومة الفِلسطينيّة.
ربّما يكون اتّفاق وقف
الصّواريخ قد أعفى حركة “حماس” وقيادتها، الداخليّة والخارجيّة من حرجٍ
كبير، لأنّها وقفت على الحِياد، وحظيت بمديح الطّرف الإسرائيلي لنأيها
بنفسها، وصواريخها، ومُسيّراتها في هذه المعركة، خاصَّةً في ظِل سُقوط
عشَرات الشّهداء ستّة منهم أطفال، واقتِحام المُستوطنين باحات المسجد
الأقصى، ولكنّها خرجت من هذا الموقف “غير المفهوم”، و”غير المُبَرَّر”، على
قمّة قائمة الخاسِرين، وربّما جاءت خسارتها أكبر من خسارة العدوّ
الإسرائيلي بالنّظر إلى رُدود الفِعل الشعبيّة الفِلسطينيّة والعربيّة
والإسلاميّة، وهي التي كانت تحتل مكانةً بارزة، وتقديرًا كبيرًا استحقّتهما
عن جدارةٍ، في معاركها السّابقة ضدّ الاحتِلال وخاصَّةً معركة “سيف
القدس”.
الحرب جولات، وحركة “الجهاد الإسلامي” وقِيادتها، ومُقاتلوها، وشُهداؤها، كسبت هذه الجولة، واحتلّت مكانةً مُشرّفة، ومُتقدّمة في قمّة التّقدير والاحتِرام والوطنيّة، والعُرفان عربيًّا وإسلاميًّا، وهذا وسامٌ كبير جدًّا في قاموس حركات المُقاومة، وإرثها الوطني، وبغضّ النّظر عن مكاسبها من جرّاء قُبولها مُكرَهةً باتّفاق وقف إطلاق الصّواريخ، ومن ضِمنها فرض مُعظم شُروطها والإفراج عن أسراها أو بعضهم.. والأيّام بيننا.