لهذه الأسباب يصعب على لجنة ماكرون تحقيق أهدافها
بقلم محمد مسلم
انقضى ما يقارب الشهران من الإعلان عن إنشاء “لجنة مختلطة” مشكلة من مؤرخين من الجزائر وفرنسا لبحث ملف الذاكرة، كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى الجزائر، ومع ذلك لا زال مصيرها مجهولا.. هل من خلفيات لذلك؟
في مقال نشرته سيلفي ثينو (Sylvie Thénault)، في صحيفة “لوموند”، وصفت المؤرخة الفرنسية ومديرة البحث بالمعهد الوطني للبحوث العلمية بباريس، المتخصصة في تاريخ الثورة الجزائرية (حرب الجزائر، كما تسمى في الأدبيات السياسية الفرنسية)، اللجنة التاريخية المختلطة بأنها “فكرة جيدة مزيفة”.
وبنت المؤرخة الفرنسية تصورها لمشروع هذه اللجنة التاريخية المختلطة الذي لم يكتمل بعد، على قاعدة مفادها أن “النقاشات التاريخية لا تخضع للانتماءات الوطنية”، لأن كتابة التاريخ كما قالت في عمودها، يجب أن تكون مجردة من الاعتبارات السياسية والانتماءات لدولة بعينها، وهو ما يعيق عمل اللجنة الموعودة، التي قيل إنها تتكون من مؤرخين ينتمون لبلدين مختلفين.
ومعلوم أن مشروع إنشاء “اللجنة المختلطة” أطلق خلال زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الجزائر ما بين 25 و27 أوت المنصرم، من أجل البحث عن حلول لمشاكل الذاكرة بين البلدين، إلا أنه وعلى الرغم من الزيارة التي قادت الوزير الأول الفرنسي، إليزابيت بورن، إلى الجزائر الأسبوع المنصرم، والتي جاءت من أجل تجسيد المشاريع التي تم الاتفاق بشأنها على مستوى الرئيسين، إلا أنه لم تكن هناك إشارة إلى مصير هذه اللجنة.
ورجحت المؤرخة الفرنسية وجود صعوبات تعترض طريق مصالحة الذاكرة بين البلدين، حتى ولو كانت الفكرة جيدة من حيث الشكل، وكتبت: “أولا، لأننا نحن المؤرخين لم ننتظر تدخل الدولة على هذا الصعيد، لنقوم ببحوثنا التاريخية انطلاقا من الأرشيف المتاح، بل استجوبنا الشهود وجمعنا شهاداتهم، واستخدمنا الصور والأفلام وجميع المصادر التي يمكن تخيلها”.
وتضيف سيلفي ثينو: “لقد استخرجنا مقالات وكتبا بأعداد كبيرة، بحيث تهيمن الكتب المتعلقة بالاستعمار الفرنسي للجزائر على المكتبات، مقارنة بالمستعمرات الفرنسية الأخرى. لقد وثقنا جميع الموضوعات، بما في ذلك أكثرها حساسية. لا يزال هناك وسيبقى دائمًا ما يتعين القيام به، لكن الذي لا جدال فيه، من يريد أن يعرف هذه القضية لديه شيء ليتعلمه”.
وبرأي المؤرخة الفرنسية، فإن “الجنسية لا تصنع المؤرخ”. من المسلّم به، تقول ثينو: “إن الجميع يرث رؤية للماضي تعتمد على الخلفية التي درسوا بها، والأسرة التي نشأوا فيها، والمجتمع الذي يعيشون فيه… يختلف التدريب الجامعي أيضًا من أمة إلى أخرى، مما يؤدي إلى ولادة طرق مختلفة في العمل والتفكير في التاريخ. ومع ذلك، من المستحيل ربط الأعمال ومؤلفيها بجنسية ما”.
وسبق للرئيس الفرنسي أن حاول طي ملف الذاكرة عبر تكليف المؤرخ، بنجامان ستورا، إعداد تقرير عن الاستعمار الفرنسي للجزائر، وسلمه إياه في جانفي 2021، غير أن العمل كان من الجانب الفرنسي فقط، لأن الطرف الجزائري لم يتجاوب مع مشروع ماكرون، كون العمل الذي قام به ستورا، اقتصر على السنوات السبع للثورة التحريرية، فيما كانت رغبة الجزائر تتمثل في شمول التقرير لسنوات الاحتلال بأكملها، أي من سنة 1830 إلى 1962.
ومن بين المعوقات التي تصعب مهمة اللجنة الموعودة، عائق “مزدوجي الجنسية”، وقالت إنه “من غير اللائق الإشارة علنا إلى جنسية ما دون أخرى”، وتساءلت: “هل يمكن التجرؤ ومساءلة مؤرخ مزدوج الجنسية، هل هو فرنسي أم جزائري عندما يكتب التاريخ. هناك أيضًا مسارات مهنية تتحدى حدود الدول”، تقول سيلفي ثينو.
ويعتبر ملف الذاكرة من بين الملفات التي كثيرا ما تسببت في تسميم العلاقات بين الجزائر وباريس، ويرى الكثير من السياسيين والمؤرخين في البلدين، أن السلطات الفرنسية لم تتجرأ على تحمل مسؤوليتها كاملة في هذه القضية، مثل الاعتراف بجرائم الدولة وتقديم الاعتذار للجزائر، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية، وتنظيف الأراضي الملوثة بالإشعاعات، وتسليم الأرشيف الجزائري المهرّب إلى فرنسا، والكشف عن أسماء ومكان دفن المفقودين.
المصدر : الشروق