بعد فوز لولا برئاسة البرازيل.. ما الذي تخسره “إسرائيل” برحيل بولسونار

بقلم زهراء رمال

في حادثة لافتة، توجّهت ميشيل بولسونارو، زوجة الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته جايير بولسونارو، الأحد، نحو صناديق الاقتراع، لتدلي بصوتها في الانتخابات على المنصب الرئاسي، مرتديةً قميصاً أثار الجدل. ظهرت ميشيل باكراً في مركز للاقتراع قرب العاصمة برازيليا، وهي ترتدي قميصاً عليه علم الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تشارك في عملية التصويت التي انتهت بخسارة زوجهوفوز منافسه اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.

الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، بل قامت ميشيل بنشر صورتها في مركز الاقتراع على مواقع التواصل الاجتماعي، مع عبارة “بارك الله البرازيل وإسرائيل”. أثارت هذه اللقطة جدلاً كبيراً، على الرغم من أنها ليست صادمة، إذ لا يخفَ على أحد علاقة زوجها الوثيقة بالاحتلال الإسرائيلي، حيث يعتبر بولسونارو من أشد المؤيدين لـ”إسرائيل”، و”صديقها المقرّب” في القارة اللاتينية. في عهده، تحولت البرازيل إلى مؤيدٍ علني صريح للاحتلال، في انتهاك لافت للسياسة البرازيلية التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية.

خلال رئاسة بولسونارو، وجد السياسيون الإسرائيليون في الرئيس اليميني المتطرف حليفاً قوياً وصديقاً في أكبر دول أميركا اللاتينية، وثامن أقوى اقتصاد عالمي، بعد سنوات من النهج المتعاطف الذي اعتمده أسلاف بولسونارو مع الفلسطينيين، والمواقف المساندة لهم في المحافل الدولية، وعلى رأسهم الرئيس الفائز لولا دا سيلفا.

كيف تغيرت البرازيل خلال حكم بولسونارو؟ 

سنوياً، عند افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، يكون الرئيس البرازيلي أول من يتحدث. لطالما تحدث الممثلون البرازيليون عن فلسطين المحتلة، ورفعوا صوتهم للمطالبة لتعويض حقوق الشعب الفلسطيني. إلا أنّ بولسونارو كسر هذا التقليد، إذ تحدث في أربع مناسبات في الأمم المتحدة ولم يقل كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية.

منذ بداية رئاسته، نظر الاحتلال إلى بولسونارو كحليفٍ جديد. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2018، قال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق، بنيامين نتنياهو، إنّ حكومة جايير بولسونارو ستأتي بـ”حقبة جديدة” في العلاقات بين “إسرائيل” و”القوة الكبرى” في البرازيل. وهو ما حدث تماماً.  أظهرت رئاسة بولسونارو نهجاً مختلفاً تجاه العلاقات مع الاحتلال، مبتعداً عن سياسات الحكومات اليسارية السابقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ علاقة بولسونارو بالاحتلال تنبع جزئياً من دعمه القوي للحركة الإنجيلية البرازيلية، لا سيما وأنه زار الأراضي الفلسطينية المحتلة في أيار/مايو عام 2016، و”تعمّد” في نهر الأردن في “رحلة حج” نسقتها الكنيسة الرسولية، وهو ما أضفى الصبغة الرسمية على علاقته مع الكنيسة الإنجيلية الداعمة لـ”إسرائيل”، والذي أصبح مناصروها يشكّلون جزءاً كبيراً من قاعدته الشعبية ومموليه.

أطلق انتخاب بولسونارو في تشرين الأول/ أوكتوبر 2018 مرحلة جديدة من السياسة الخارجية للبرازيل، لم تكن مشابهة لسابقاتها. بعد عدة أسابيع من انتخابه، سافر رئيس حكومة الاحتلال حينها، بنيامين نتنياهو، إلى البرازيل لحضور حفل تنصيب بولسونارو. وكان نتنياهو بدأ زيارته قبل أربعة أيام من حفل التنصيب، والتقى الرئيس الجديد في منزله، وبعد اللقاء أعرب بولسونارو عن حاجته وبلاده إلى “أصدقاء أقوياء كإسرائيل ونتنياهو في المرحلة المقبلة”، مؤكداً ضرورة إنشاء “شراكة إستراتيجية” بين الطرفين.

نتنياهو كان أول رئيس حكومة إسرائيلي يزور أكبر دولة في أميركا اللاتينية، ووصف مكتبه زيارة البرازيل بأنها “تاريخية”. ألقى بولسونارو تحيةً لنتنياهو في كنيس يهودي في ريو دي جانيرو، وهو يرتدي قلنسوة يهودية. كما أعلنا عن “أخوّة” بين “إسرائيل” والبرازيل من شأنها أن تعزز التعاون الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. وللتعبير عن هذه “الأخوّة”، منح بولسونارو نتنياهو ميدالية “الوسام الوطني للصليب الجنوبي”، وهو وسام يمنح للرؤساء ورؤساء الحكومات وشخصيات أخرى مماثلة. كذلك، أصدر مكتب البريد البرازيلي طابعاً خاصاً للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس كيان الاحتلال، يعرض صورة لنتنياهو بكلمة عبرية تعني “المنقذ”!

خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، تمكّن بولسونارو من تأكيد علاقته الوطيدة بالاحتلال في العديد من الوقائع. البداية كانت في كانون الأول/ديسمبر من عام 2018، حين صوتت البرازيل لصالح مشروع قرار للأمم المتحدة برعاية السفير الأميركي لإدانة حركة “حماس” الفلسطينية كـ”منظمة إرهابية”. كانت تلك هي المرة الأولى التي صوتت فيها البرازيل ضد فلسطين المحتلة، وبدأت في التحول نحو دعم الاحتلال في الأمم المتحدة.

لم يتوقف الأمر هنا. ففي آذار/مارس من العام 2019، صوتت البرازيل ضد قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “يدين استخدام إسرائيل المتعمد الواضح للقوة المميتة غير القانونية وغيرها من القوة المفرطة ضد المتظاهرين المدنيين في غزة”. وفي شباط/فبراير من العام الذي تلاه، طالبت البرازيل المحكمة الجنائية الدولية بوقف تحقيقها مع الاحتلال في جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.

إلى جانب ذلك، أعلن الرئيس اليميني في بداية ولايته عزمه نقل سفارة بلاده في الأراضي الفلسطينية المحتلة من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، إلا أنه تراجع لاحقاً عن هذه الخطوة، ليقوم بدلاً من ذلك بافتتاح بعثة تجارية في القدس خلال زيارته للأراضي المحتلة عام 2019، وهو الأمر الذي أثار غضب الكثير من الفلسطينيين.

التطبيع المتزايد في العلاقات البرازيلية-الإسرائيلية لم يقتصر على ذلك، بل شمل أيضاً المجال العسكري والدفاعي. ففي عهد بولسونارو، بدأت البرازيل محادثات مع الاحتلال للحصول على التكنولوجيا العلمية والدفاعية وتبادلها. تم توقيع 6 اتفاقيات لتكنولوجيا الدفاع، تتضمن الصواريخ والرادارات وكاميرات المراقبة عالية التقنية، والتي يمكن أن تساعد في تحديث الجيش البرازيلي ووكالات إنفاذ القانون. على الصعيد العالمي، باتت تعدّ البرازيل في عهد بولسونارو واحدة من أكبر مشتري تقنيات الحرب الإسرائيلية، حيث قامت بشراء الأسلحة من خلال شركات خاصة في اتفاقيات مغلقة.

من وعودٍ بنقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة، وطلب مساعدة الاحتلال للخروج من أزمة فيروس كورونا التي فتكت ببلاده، إلى جانب رفعه علم الاحتلال والتلويح به علناً، حوّل بولسونارو فعلاً البرازيل إلى “أفضل صديق جديد” للاحتلال.

لولا دا سيلفا.. عودة الأمل

على عكس بولسونارو، يُعتبر لولا، الذي أشار إليه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ومن باب الاعتراف بالحقيقة لا المديح، بأنه “السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض”، من أشد المؤيدين للقضية الفلسطينية.

خلال فترتي ولايته السابقتَين (2003-2010)، حرص الرئيس اليساري لولا دا سيلفا على الدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. في المحافل الدولية، اتخذ لولا موقفاً يطالب بمشاركة أكبر من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة على وجه الخصوص، في حل الاحتلال والانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني.

في عام 2010، اعترف لولا بفلسطين كدولة مستقلة وعاصمتها القدس. وشجّع اعترافُ البرازيل دول أميركا اللاتينية على اتخاذ موقف مماثل، إذ تبعها مباشرةً اعتراف كل من الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور في الشهر ذاته، ثم اعترفت معظم دول أميركا الجنوبية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2011 بدولة فلسطين. وبلغت موجة الاعتراف في أميركا اللاتينية أوجّها حتى العام 2013، إذ إنه باستثناء المكسيك وبنما، باتت دول أميركا اللاتينية قاطبة تعترف رسمياً بفلسطين كدولة.

في عام 2011، قام الرئيس اليساري بأول زيارة لرئيس برازيلي حالي أو سابق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأثناء الزيارة، رفض وضع إكليل زهور على قبر مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل، بينما زار قبر رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات. مواقف لولا المساندة لفلسطين وشعبها لم تتوقف، إذ قرر رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، كما منح قطعة أرض بالقرب من القصر الرئاسي البرازيلي للسفارة الفلسطينية المستقبلية.

وفي وقتٍ سابق من هذا العام، التقى دا سيلفا بأفراد من الجالية الفلسطينية في البرازيل، مرتدياً كوفية، وشدد خلال الاجتماع على أنّ للشعب الفلسطيني الحق في العيش في “دولة حرة وذات سيادة”، مؤكداً أنه سيعمل على إعادة ترسيخ الدور الريادي للسياسة الخارجية البرازيلية في التوسط في النزاعات وحق الشعوب للدفاع عن أنفسها.

على خلاف علاقة بولسونارو الوطيدة مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد وقع في عهد لولا صدامان دبلوماسيان على الأقل مع الاحتلال. الأول حينما سحب سفيره من “تل أبيب” أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة عام 2014، والثاني حينما رفض عام 2015 تعيين داني ديان سفيراً للاحتلال في برازيليا على خلفية منصبه السابق كرئيس لمجلس “ييشع”، الذي يرعى المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.

مع عودة لولا إلى سدّة الحكم  بعدغيابٍ قسري لسنوات، عاشت فيه البرازيل كلّ صنوف الترهّل، يرى مراقبون أنّ الاحتلال لا يمكنه إخفاء مخاوفه من تصاعد اليسار في أميركا اللاتينية، فكيف في أكبر دولها؟

خسارة بولسونارو تشكّل نكسة كبيرة لحكومة الاحتلال من حيث سياستها الخارجية في جميع أنحاء القارة، وخاصة البرازيل، لا سيما وأن الأخيرة تشكّل موطناً لما يقرب من نصف سكان أميركا اللاتينية، لذا فإنّ ميولها تجاه القضية الفلسطينية، يؤثر بشكلٍ كبير على بقية القارة.

انتصار لولا قد يعني العودة إلى موقف ما قبل بولسونارو بشأن الاحتلال والقضية الفلسطينية، وبالتالي، ماذا ستفعل “إسرائيل” بدون “أفضل صديق” لها؟

المصدر: الميادين