اربعة سيناريوهات أسيوية لمستقبل العالم
بقلم محمد فرج ـ رئيس تحرير موقع الميادين“
ينتظر العالم تشكّلَ ملامح النظام الدولي الجديد استناداً لنتائج المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا، والتي قد تطول في كل الأحوال. وعلى الرغم من أهمية هذه المواجهة في تشكيل مستقبل العالم، إلا أنّ ثمة ركناً آخر في الكوكب، إلى الشرق أكثر، وبصخب أقل إلى الآن، تؤثر التطورات فيه على مجمل النظام العالمي؛ الصين والهند واليابان.
يعرض عدد من علماء السياسة عدداً من سيناريوهات المستقبل، انطلاقاً من احتمالات تطور العلاقة بين الأطراف الثلاثة؛ ماذا لو تمكّنت هذه الأطراف من إيجاد حلول وتسويات على المشاكل الحدودية والقلق الأمني في البحار؟ كيف يمكن بعدها للولايات المتحدة أن تؤثر في تلك المنطقة من العالم؟ وكيف لها أن توازن الكتلة الآسيوية في العلاقات الدولية؟
من جملة هذه الأطروحات، ما قدّمه الدكتور رامي منصور في دراسة أكاديمية بعنوان “مستقبل إدارة العلاقات الدولية من المنظور الآسيوي”، وفي هذه الدراسة يطرح 4 سيناريوهات لمستقبل العلاقات الدولية؛ سيناريو المجد الآسيوي، وسيناريو الضباب، وسيناريو لمس الأكتاف، وسيناريو البجعة السوداء.
تدرس الأطروحة السيناريوهات الأربعة انطلاقاً من عاملين؛ الأول هو مدى استمرار منظومة العولمة فعّالة أو أن يتم الانقلاب عليها وتتشظّى روابطها وقنوات التبادل والاتفاقيات الدولية فيها، والثاني هو مستوى التعاون الممكن بين الأطراف الدولية المختلفة، وتحديداً هذه القوى الآسيوية الثلاث، ويتضمن ذلك التعاون الأمني والعسكري والتفاهم السياسي.
سيناريو المجد الآسيوي
يتحقق هذا السيناريو في حال استمرار منظومة العولمة في العمل، وكذلك استمرار آفاق التعاون بين الدول الثلاث. أهم ملامح هذا السيناريو:
· استكمال مرحلة الصعود الآسيوي بقيادة الصين (والحديث هنا كما في أغلب الدراسات المستقبلية عام 2045)، وتصبح القوى الآسيوية القوة التي لا مثيل لها في التكنولوجيا والاقتصاد.
· ارتفاع منسوب التفاهم بين القوى الآسيوية وتجنبها للصدامات العسكرية.
· تتزامن هذه المرحلة مع استمرار المشاكل الهيكلية في الاقتصاد الأميركي، وتعاظم العجز في الميزان التجاري، وتراجع قوة الدولار في السوق المالي، مما يدفع الأوروبيين إلى التفاهم مع الكتلة الآسيوية، وعدم اللحاق بواشنطن في جولات العداء المحمومة ضدها.
· تسفر هذه التطورات عن انهيار التحالفات الأمنية والعسكرية المدعومة غربياً في آسيا، وعلى رأسها تحالف الكواد.
· يفرض التراجع الأميركي على الهند واليابان تخفيف حدة التوتر مع الصين، وحساب مصالحها الداخلية بطريقة أكثر واقعية، وتشرعان في سياسة خارجية أقل توتراً مع الصين، بعد أن تندم اليابان على إنفاقها العسكري المتهور، وتندم الهند على رهانها على الولايات المتحدة في كبح جماح الطموح الصيني.
مع أنّ هذا السيناريو يبدو مبالغاً في التفاؤل، ولا سيما مع التوترات الحدودية الهندية الصينية، واندفاع اليابان لتطوير علاقتها مع الناتو (علاوة على وجود قاعدة عسكرية أميركية ضخمة في أوكيناوا)، وسماح الفلبين للولايات المتحدة في استخدام قواعد عسكرية، إلا أنّ علماء المستقبليات ما زالوا ينظرون إلى سيناريو المجد الآسيوي باحتمالات عالية، ويعتبرون المرحلة الزمنية من 2025 إلى 2040 هي مرحلة التوتر والاضطراب التي تنتهي بهذا السيناريو. إلى اليوم يبدو العامل الحاسم في تحقق هذا السيناريو، هو نجاح الصين في تسوية الخلافات مع الهند وطمأنة اليابان أمنياً في البحر.
إذا نجح هذا السيناريو وترافق مع توجه آسيوي في عدم التدخل في الشؤون الأمنية والسياسية للدول الأخرى، فهذا يعني ولادة عولمة بقيادة جديدة، وهي القيادة الآسيوية، وقبول أفريقيا ودول الشرق الأوسط بها.
سيناريو الضباب
تقوم أهلية هذا السيناريو على استمرار النمو والازدهار في الاقتصادات الآسيوية، مع عجزها عن تسوية التوترات الأمنية، وتخفيف حدّة الدور الأميركي في المحيط الهادي.
ثلاثة ملفات ساخنة مرشحة لإشعال التوتر الآسيوي داخلياً وبقاء الدور الأميركي حاضراً:
· ملف كشمير: في حال دعم الصين للهند لكسبها في هذا الملف، ودعم الدول الإسلامية لباكستان، قد يشعل هذا التوجه تحركات الإيغور في الداخل الصيني ويحوّلها إلى كتلة ملتهبة في الداخل الصيني.
· ملف تايوان: في حال تمكنت الولايات المتحدة من تثبيت دعائم التحالف مع تايوان واليابان.
· ملف أوروبا: في حال صعود اليمين المستعد لمشاركة الولايات المتحدة في فرض العقوبات على الصين.
مع سيناريو الضباب يستمر التوتر والاضطراب السياسي في آسيا، ويبقى الدور الأميركي فاعلاً، وتبقى روابط العولمة وسلاسل التوريد فعالة، ولكن تتخللها جولات من الحروب التجارية المحدودة وفرض العقوبات والتسابق الاقتصادي.
سيناريو “لمس الأكتاف”
في هذا السيناريو يستمر التعاون بين القوى الآسيوية بشكل فعّال، ولكن مع تراجع منظومة العولمة في التبادل التجاري والتعاون الثقافي، وأهم ملامح هذا السيناريو:
· تعاظم حالة الاستقطاب بين الكتل الدولية ( آسيا والغرب)، وعودة صراع الأيديولوجيات إلى العالم.
· تحقق بعض توقعات الاقتصاديين المتشائمين، ودخول اقتصادات العالم في مرحلة الركود التجاري، واضطراب في أسعار صرف العملات، ووقوف العولمة منتكسة أمام صيحات المصالح القومية.
· تحاول الصين التمسك بنموذج العولمة في مواجهة الانسحاب الأميركي منها، وتحاول الصين تجاوز آثار الحروب التجارية وحطام هياكل المؤسسات الدولية وانتهاء صلاحية العديد من الاتفاقيات التجارية العالمية، التي يتم استبدالها باتفاقيات ثنائية بين كتل ( مثلاً رابطة آسيان والاتحاد الأوروبي).
سيناريو لمس الأكتاف يعني انسجاماً عالياً في التعاون الصيني الياباني الهندي، ولكن مع تحد اقتصادي قومي لجهات أخرى مثل الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.
سيناريو البجعة السوداء
وهو سيناريو ضعيف الاحتمال عالي التأثير (ظهور بجعة سوداء بقي لعصور طويلة أمراً مفاجئاً ونادراً)، وفي حال حدوث هذا السيناريو تكون الأضرار هي الأكثر قسوة على النظام الدولي، لا تعاون بين الدول أو الكتل الدولية، ومنظومة العولمة والتبادل التجاري والاتفاقيات الدولية تنهار. وملامح هذا السيناريو:
· تفقد الولايات المتحدة دورها كشرطي عالمي، وتنغمس في حل مشاكلها الهيكلية في الاقتصاد.تسيطر الحكومات الشعبوية واليمينية في العالم، وتلجأ الدول إلى الحلول الفردية، بما فيها الكتلة الآسيوية يولد نظام دولي متعدد الأقطاب إلى درجة مليئة بالصراعات والنزاعات القومية شبكة العولمة تتفكك مع جنون العقوبات والإجراءات الحمائية تقييد السفر على شاكلة مشابهة لحقبة الحرب الباردة وقد تكون الأوبئة حجة كافية لذلك يقف العالم أمام أربعة سيناريوهات آسيوية لشكل العالم، وما زالت الأبواب مشرّعة على كل الاحتمالات
المصدر: الميادين