الجيل الأميركي المقبل أكبر نقطة ضعف في إسرائيل
بقلم ياسر أبو هلالة
لا يوجد صمت عربي ولا إسلامي ولا دولي على عربدة الإسرائيليين واقتحامهم المسجد الأقصى. يوجد غضبٌ يتراكم، وسينفجر بأشكالٍ غير متوقعة، وليس بالضرورة أن تمتلئ الشوارع العربية بالمتظاهرين فور وقوع الاعتداءات، فهذه الحكومة المتطرّفة بقدر ما تؤذي الشعب الفلسطيني، فإنها تخدمه بدرجةٍ أكبر.
يتراكم الاستياء الدولي، ومن أقرب الحلفاء وأكثرهم أهمية، أميركا وحلفاؤها في الغرب. وبحسب ما غرّد رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، فإن الحلفاء الغربيين يخشون من “دكتاتورية دينية غيبية في قلب الشرق الأوسط، تمتلك سلاحا نوويا، وتسعى إلى المواجهة مع الإسلام في الحرم القدسي”. ويدرك نتنياهو أنه بقدر ما يكسب تكتيكيا مع حلفائه المتطرّفين، يخسر استراتيجيا في الغرب، وأميركا خصوصا. وهو ما أكّده استطلاع معهد غالوب أخيرا، والذي أظهر “الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين للمرّة الأولى”. يقول الاستطلاع “إن تعاطفهم في الشرق الأوسط الآن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، 49% مقابل 38%”.
وما دفع نتنياهو إلى تقديم تنازلاتٍ هو الموقف الأميركي بصورة أساسية، فبحسب “نيويورك تايمز”، إدارة بايدن لاعبٌ أساسيٌّ في مجريات الأوضاع في إسرائيل، فقد مارست ضغوطا كبيرة على نتنياهو منذ لحظة إقالة وزير الدفاع غالانت، وصلت حتى اتهام نتنياهو بأنه يغيّر الطابع الديمقراطي لإسرائيل.
وفي الوقت الذي تلقّى فيه نتنياهو إهانة علنية من بايدن “لن أدعوه إلى زيارة واشنطن”، معطوفا على الضغط الأميركي، ووضع انتخابي ليس مريحا لنتنياهو، فحتى استطلاع القناة 14، وهو الوحيد الذي توقّع فوز نتنياهو في الانتخابات السابقة، يبيّن اليوم تراجع قوة تحالف نتنياهو إلى 58 مقعدا، وعدم قدرته على تشكيل حكومة (أكثر من 60 مقعدا)، واللافت في كل الاستطلاعات تصاعد قوّة بني غانتس على حساب يائير لبيد والليكود، وهو يلعب بالورقة الأميركية، إذ قال “الإضرار بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة له ضرر استراتيجي”. وهذا الضرر الاستراتيجي قد يتوسّع. بحسب الاستطلاع، تعكس مواقف اليوم زيادة قدرها 11 نقطة مئوية عن العام الماضي في تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين. في الوقت نفسه، تراجعت النسب المئوية التي تعاطفت أكثر مع الإسرائيليين (38%)، وتلك التي لا تؤيد طرفًا (13%)، إلى مستويات متدنية جديدة. وبلغ التعاطف مع الفلسطينيين مستوىً مرتفعًا جديدًا بين المستقلين السياسيين، حيث ارتفع ست نقاط إلى 32%. مع ذلك، لا يزال عدد أكبر من المستقلين يميلون إلى الإسرائيليين (49%).
لم تتغير آراء الجمهوريين، حيث يواصل ثمانية من كل عشرة أشخاص (78%)، تعاطفهم أكثر مع الإسرائيليين، فيما يؤيد 11% الفلسطينيين. وهذا واضح في ظل نفوذ الصهيونية المسيحية وحليفها ترامب نتيجة التحوّلات الحزبية هذا العام. وقد بلغ التعاطف مع الفلسطينيين بين البالغين الأميركيين مستوى مرتفعًا جديدًا هو 31%، في حين أن نسبة عدم تأييد أي جانبٍ وصلت إلى مستوى منخفض جديد قدره 15%. ويتعاطف 54% من الأميركيين أكثر مع الإسرائيليين، ويشبهون 55% في العام الماضي، ولكنه أدنى مستوى منذ 2005. وتمثل الفجوة الناتجة عن 23 نقطة في تعاطف الأميركيين مع إسرائيل مقابل الفلسطينيين أضعف ميزة لإسرائيل في هذا السؤال في اتجاه استطلاع غالوب للشؤون العالمية. كما أنها المرّة الأولى التي لا تتمتع فيها إسرائيل بميزة أفضل من 2 إلى 1 على الفلسطينيين في تعاطف الأميركيين. وتفسّر الباحثة ليديا سعد، من معهد غالوب، التغييرات الأكثر أهمية في الرأي العام بأن التأييد للفلسطينيين ازداد في السنوات الخمس الماضية، وانخفض الدعم لإسرائيل، وكذلك التناقض بشأن الصراع.
فوق ذلك، يبدو المستقبل حليفا لنا، إذ تُظهر رؤية الفروق بين الأجيال في الطريقة التي ينظُر بها الكبار في الولايات المتحدة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الاستطلاع التعاطف الصافي تجاه إسرائيل (النسبة المئوية المتعاطفة مع الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين) بأنه إيجابي بقوة بين الأجيال الأكبر سنًا. على النقيض من ذلك، جيل الألفية منقسمٌ الآن بشكل متساوٍ، حيث يتعاطف 42% أكثر مع الفلسطينيين و40% مع الإسرائيليين. يعكس الاختلاف اليوم، كما توضح الباحثة ليديا سعد، “انخفاضًا حادًا في السنوات الأخيرة في التعاطف الصافي مع إسرائيل بين جيل الألفية، في حين أن هذا التعاطف كان ثابتًا على مستوى أعلى بين الأجيال الثلاثة الأكبر سناً”. وهنا لا بد أن نشكر الناشطين على “تيك توك” و”إنستغرام” ومنصّات التواصل جميعا.
أصبحت وجهات نظر الأميركيين بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر استقطابًا، حيث يتعاطف الديمقراطيون بشكل متزايد مع الفلسطينيين، بينما يحافظ الجمهوريون على تحالفهم القوي مع الإسرائيليين. تفسّر باحثة غالوب ذلك بـ”تصعيد الأعمال العدائية الإسرائيلية الفلسطينية خلال العام الماضي، والذي أدّى إلى مقتل عدد كبير من الفلسطينيين، وهو ما يمكن أن يفسر جزئيًا التحول أخيرا في منظور الديمقراطيين. لكن تضاؤل تديّن الديمقراطيين قد يكون عاملاً في الاتجاه طويل المدى. كان التعاطف مع إسرائيل تاريخيًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالدين ، حيث كان الذين يحضرون الخدمات الدينية أسبوعياً أكثر تعاطفاً مع الإسرائيليين من أولئك الذين نادراً ما يحضرون أو لم يحضروا”.
لن تنهار إسرائيل بعد هذه النتائج، لكنها تضعف. والمهم أن نستثمر في ضعفها، ونزيد من عزلتها. ولا يمنحها حلفاؤها العرب طوق النجاة، فنرى نتنياهو في بلد عربي قبل أن نراه في واشنطن، تماما كما استقبلت سفارة عربية في تل أبيب بن غفير ولم تستقبله سفارة غربية. لن ينهار مشروع استعماري عمرُه قرن، مسنودٌ بأكبر قوة بالتاريخ، بأزمة علاقات مع أميركا، ولا بزخّة صواريخ، ولا صلية رشّاش ولا هاشتاغ ولا استقطاب داخلي ونفور غربي، ينهار بتراكم تلك النضالات وغيرها عبر أجيال. المهم أن يؤدّي كل لاعب أفضل ما عنده في الشوط المقدّر له، بمعزل عن صافرة النهاية.
المصدر: الشروق