الإرهاب يضرب إسطنبول.. والسيناريوهات متعددة!
بقلم حسني محلي
بعد ساعات قليلة من الانفجار الذي استهدف شارع الاستقلال في إسطنبول، داهم الأمن منزلاً في إحدى ضواحي إسطنبول وألقى القبض على المتهمة بالتفجير ومن معها في المنزل، وقيل إنها سورية الأصل واسمها أحلام البشير، وتحدث وزير الداخلية سليمان صويلو عن علاقتها بـ”حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب الكردية” في سوريا.
السلطات، وبعد دقائق من الحادث، منعت بث ونشر أي معلومة عن الانفجار، كذلك شددت الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن قيّدت تماماً التواصل عبر هذه الشبكات.
وزير الداخلية صويلو، الذي كان يشارك في حفل توزيع المساكن على السوريين بجوار إدلب، عاد إلى إسطنبول ليشرف على عمليات التحقيق، فاتّهم أميركا بشكل غير مباشر بالمسؤولية عن التفجير، وهو ما يكرره صويلو والرئيس إردوغان بين الحين والحين، إذ يتهمان واشنطن بدعم الإرهاب، والمقصود “وحدات حماية الشعب الكردية”، الذراع السورية لـ”حزب العمال الكردستاني التركي”.
المعارضة والإعلام يتهربان من الحديث بصوت عال عن خلفيات العملية، التي استغرب الجميع كيف استطاع الأمن أن يحدد هوية المواطنة السورية، ويداهم مسكنها، خلال ساعات قليلة، ويلقي القبض عليها ومن معها، ومن دون أن يكون واضحاً لماذا لم يعتقل الأمن هؤلاء جميعاً طالما أنه يعرفهم ويراقبهم ربما منذ دخولهم تركيا!
وهنا، يذكّر البعض بالعملية الانتحارية التي نفّذها عناصر “داعش”، والتي استهدفت محطة القطار في أنقرة في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2015، وراح ضحيتها 103 مواطنين جميعهم من اليساريين. وقال أحمد داود أوغلو، وكان آنذاك رئيساً للوزراء “كنا نراقب تحركات الانتحاريين، وكان هدفنا إلقاء القبض عليهم بالجرم المشهود”. وكان ذلك سبباً لانتقادات عنيفة من المعارضة، خاصة أن داود أوغلو كان قد قال إن “العمليات الإرهابية تزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية”. وهو ما كان صحيحاً لأن “العدالة والتنمية” الذي خسر الأغلبية في انتخابات حزيران/يونيو 2015 عاد واستعادها في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، بعد سلسلة من الأحداث الإرهابية التي استغلها إردوغان في حملته الانتخابية من حزيران/يونيو وحتى تشرين الثاني/نوفمبر.
فالمعارضة بل وحتى الشارع التركي، ومنذ فترة، لا يخفيان قلقهما من احتمالات أن يكرر التاريخ نفسه مع اقتراب موعد الانتخابات في أيار/مايو القادم، إذ تعتمد حملة إردوغان الانتخابية على مقولة “إذا جاءت أحزاب المعارضة إلى السلطة فستدخل البلاد في دوامة الأحداث الإرهابية”. ويتحدث آخرون عن احتمالات التصعيد الخارجي في سوريا والعراق وليبيا بل وحتى مع اليونان وقبرص، إذا لم يكن الحديث عن الإرهاب الداخلي كافياً لشحن الشعور القومي ومعه الديني ضد أعداء تركيا داخلياً وخارجياً لضمان فوز إردوغان في الانتخابات.
ومن دون أن يهمل المراقبون الإشارة إلى أهمية التوقيت الزمني للعملية الإرهابية التي جاءت بعد أسبوع من محاولة إردوغان “تحقيق الانفراج ” مع “حزب الشعوب الديمقراطي”، وهو الجناح السياسي لـ”حزب العمال الكردستاني” في محاولة منه لإبعاد هذا الحزب عن “تحالف الأمة” الذي لن يهزم إردوغان في الانتخابات إلا إذا كسب أصوات الكرد والتي تقدر بنحو 6 مليون ناخب.
مع التذكير أن إردوغان ووزراءه بل وشريكه في “تحالف الجمهور”، دولت باخشالي، زعيم “حزب الحركة القومية” العنصري المتطرف قد شنوا طيلة السنوات الماضية هجوماً عنيفاً على “حزب الشعب الجمهوري” باتهامه بالإرهاب والخيانة والعمالة بسبب حواره مع “الشعوب الديمقراطي”.
الرئيس إردوغان الذي فاجأ الجميع باستداراته المثيرة في السياسة الخارجية، فاجأ الجميع هذه المرة بمحاولات المصالحة مع “الشعوب الديمقراطي” ناسياً كل ما قاله عنه، أولاً لإبعاده ومعه “وحدات حماية الشعب” الكردية عن دمشق، وثانياً عن واشنطن. ويفسر ذلك هجوم وزير الداخلية صويلو على أميركا بعد ساعات من الانفجار، مع التذكير بتصريحات إردوغان ووزرائه العنيفة ضد مساعي الحوار بين دمشق و”الوحدات الكردية” وبوساطة روسية.
وتدفعنا اتهامات صويلو لأميركا، إن كان جاداً فيها، للحديث عن محاولات الأطراف الكردية التي تأتمر بأوامر واشنطن عرقلة مساعي إردوغان للمصالحة مع حزب “الشعوب الديمقراطي”. وكان من أهم مؤشراته أن السلطات سمحت قبل أيام للرئيس المشترك السابق للحزب صلاح الدين دميرطاش المسجون منذ 6 سنوات بزيارة والده المريض في مدينة دياربكر. مع التذكير أن السلطات رفضت دائماً كل الطلبات التي تقدمت بها عائلة دميرطاش لنقله من سجن ادرنة (يبعد نحو 1400 كم عن ديار بكر) إلى مكان قريب من مكان إقامة العائلة. كذلك أخلت السلطات قبل أيام سبيل برلمانية سابقة عن حزب “الشعوب الديمقراطي” بعد تقرير من الطب الشرعي يفيد بوضعها الصحي المتدهور، أيضاً أخلت سبيل 3 من كوادر الحزب الذين كانوا يحاكمون بتهم الإرهاب.
ومع أن الانتخابات المقرر إجراؤها أواسط أيار/مايو القادم ما زالت بعيدة، فالجميع يرشح البلاد لسلسلة من المفاجآت المثيرة، بعض منها خطر. فالرأي السائد في الشارع التركي أن إردوغان سيفعل كل شيء، وسيستنفر كل إمكانيات الدولة لضمان فوزه في الانتخابات ومهما كلفه ذلك وكلف الدولة والأمة التركية، خاصة أنه يسيطر على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وأجهزتها، وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء، و 95% من الإعلام الحكومي والخاص. مع التذكير أن إعلام المعارضة تحت رحمة القضاء والمجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون ومؤسسة الاتصالات التي قد تغلق حينها كل القنوات وشبكات التواصل لمنع المواطن من الوصول إلى أي معلومة لا يريدها إردوغان، وهذا ما عشناه خلال الساعات الـ 24 الماضية.
وتبقى هناك ملاحظة أخيرة وهي تسابق زعماء وحكومات عدد كبير من الدول، ومنها عربية، للتعبير عن استنكارهم للعمل الإرهابي في إسطنبول ومن دون أن يحركوا ساكناً ضد ما قامت به “إسرائيل” وتقوم به ضد الشعب الفلسطيني يومياً، مع التذكير أيضاً أنه في التوقيت نفسه الذي وقع فيه انفجار إسطنبول كانت “إسرائيل” تقصف مطاراً قرب مدينة حمص السورية، والأحداث من هذا النوع لا تعدّ ولا تحصى ولكنها لا تحرك ساكناً في وجدان الأنظمة العربية وغيرها!
المصدر: الميادين