الحراك الشعبي بين آفاق التغيير و محاولات التشويه

محمد الطاهر بن سعادة

لا يختلف إثنان في تقويم الحراك الشعبي الذي دخل أسبوعه الخامس والذي بدأ  بمطلب إنهاء مهزلة العهدة الخامسة قبل أن يتجاوزها برفضه التمديد بأنه حركة ثورية مادامت تنادي  بتغيير النظام الفاسد بجميع أركانه و أشكاله٠لكن السؤال الذي يبقى مطروح هو ماذا يعني التغيير الذي ينادي به الشباب المنتفض في كامل ربوع الوطن ؟ يستمد الحراك الجاري في الجزائر قوته من أربعة عوامل هي  شرعيته وسلميته وشعبيته وعفويته٠إن شرعية الحراك لا نقاش حولها ما دام الدستور الجزائري يقر بأن الشعب هو مصدر السيادة٠ فمن وجهة نظرنا لا يوجد تناقض بين الشرعية الدستورية و الشرعية الشعبية في الظروف الحالية٠مشروع التمديد غير دستوري و هو كذلك مرفوض من طرف الشعب. هذا الأمر لا يعني أن الشعب ليس له الحق في تغيير الدستور بطريقة ديمقراطية٠ أما سلمية الحراك التي أبهرت العالم و التي أعطت صورة نموذجية عن الجيل الجديد سليل المدرسة التي حاول أنصار الفرنسة و الغبرطة تشويهها  فهي تشكل عاملا أساسيا في نجاح هذا الحراك و قدرته على توسيع رقعته الشعبية و تجنب فخ المواجهة المباشرة مع أجهزة الدولة الأمنية إن شعبية الحراك الذي إنطلق يوم جمعة ٢٢ فبراير بنوع من الحذرلا يمكن لأحد نفيها منذ أن دخل الحراك أسبوعه الثاني لم تضمن فقط شرعية هذا الحراك بل كان لها أثر كبير على دوائر صنع القرار التي أختارت التعامل مع هذا الحراك بطريقة سلسة تجنب الوطن مخاطر الإنزلاق نحو المجهول

أما العامل الرابع المتمثل في غفوية هذا الحراك الشعبي الذي لم يتوقعه أحد على الأقل بهذا الحجم و بهذه الطريقة فإنه يشكل في نفس الوقت نقطة قوة و نقطة ضعف٠إن عفوية الحراك تشكل عامل قوة من حيث أنها جعلته صعب التحكم به عن طريق الأحزاب و  النقابات و الجمعيات التقليدية٠ولكن العفوية التي كانت مصدر قوة في مرحلة  الرفض ـ رفض العهدة الخامسة، رفض التمديد، رفض النظام ـ تصبح مصدرٱ للقلق في مرحلة التعاطي الإجابي مع الواقع و مع متطلبات الثورة٠الشباب ينادي اليوم بالتغييرالشامل للنظام٠ ولكن ما معنى التغيير ؟ التغيير من أجل الأفضل أم التغيير من أجل الأسوأ ؟ الإجابة على هذا السؤال تبدو بسيطة لكنها صعبة للغاية٠كم من تجربة ثورية في تاريخ الشعوب قام بصناعتها أبطال إنتهت في ٱخر المطاف على أيدي اللصوص و الجبناء٠التحدي الكبير الذي يواجهه اليوم الحراك الشعبي في الجزائرلا يكمن فقط في محاولات العصب الحاكمة إستخلاف نفسها بنفسها لتواصل سياسة النهب حتى و إن تطلب هذا الأمر الإ ستقواء بفرنسا

التحدي الأكبر يكمن في قدرة الحراك الشعبي على نجنب الإختراق من طرف ممثلي الأقليات الثقافية و الإديولوجية التي أستفادت من الريع منذ عقود من خلال تحكم حلفائها في مفاصل ًالدولة العميقة و التي تحاول اليوم السطو على ثورة الشباب الجزائري مثلما فعل أولياؤهم مع ثورة أبائنا التحريرية٠إن رموز هذه الأقليات تحاول اليوم التشويش على الحراك الشعبي عبر مناورة شيطانية ظاهرها ثوري و باطنها مضاد للثورة. هذه المناورة تكمن في المطالبة بندوة وطنية يشارك فيها ممثلون عن النظام و أحزاب و منظمات المعارضة٠الظاهر الثوري في هذا المطلب هو إقصاء أحزاب الموالاة٠و لكن خبث هذه المبادرة يكمن في إقصاء أو في أحسن الأحوال تهميش الحركة الشعبية٠القضية ليست قضية تمثيل فقط٠ الأمر يتعلق بجوهر الصراع القائم٠هل يؤدي التغيير الذي أصبح حتميأ الى جمهورية  ًثانية ً على مقاس النخب التغريبية التي تتقاطع مصالحها مع مصالح البرجوازية  الكمبرادورية و مصالح الدوائر الاستعمارية الجديدة ؟ أم يؤدي التغيير المنشود الى إعادة أمانة الشهداء الى أهلها، الى جميع أبناء هذا الوطن دون تمييز عبر إرساء دولة القانون التي تستمد سيادتها و شرعيتها من الشعب ؟ الجواب على هذا السؤال هو اليوم بين أيادي الشباب الذي برهن أنه حقأ سليل الأمير عبد القادر و عبد الحميد بن باديس٠

محمد الطاهر بن سعادة ــ مدير معهد فرانز فانون ـ  بروكسيل